عادي
حصد 16 جائزة ومرشح لـ 3 «أوسكار»

«إنكانتو».. سحر البهجة والقيم

22:28 مساء
قراءة 4 دقائق

مارلين سلوم

لا يفصلنا عن الحدث الأبرز في عالم السينما: توزيع جوائز «الأوسكار» سوى أسبوعين، ودائماً ما يكون لأفلام الكرتون نصيبها الوافر، لكن هذه المرة نصيب شركة «ديزني» هو الأكبر، حيث تنافس بثلاثة أفلام من بين خمسة تم اختيارها للتصفيات النهائية. وأفلام «ديزني» هي: «لوكا»، و«رايا والتنين الأخير»، و«إنكانتو» الذي نتحدث عنه في هذه السطور مفصلاً، وهو مرشح في هذه المسابقة لثلاث جوائز عن ثلاث فئات، بعدما بلغ مجموع ترشيحه للجوائز العالمية في مختلف المهرجانات السينمائية 89 ترشيحاً، وحصد 16 جائزة، ويأمل فريق عمله طبعاً بنيل الجائزة الأكبر ليلة «الأوسكار»، فهل يستحقها؟

تواصل شركة «ديزني» رحلتها في عالم أفلام الكرتون العائلية والتي لم تعد محصورة بالأطفال فقط، مركّزة على التنويع في لون بشرة وهوية أبطالها، وقد اتجهت هذه المرة إلى كولومبيا لتقدم سحراً مختلفاً يستقي من الواقع أحداثه ليضيف إليها «رشة» السحر الخيالي الرائع، الذي يجذب الصغار ويبهرهم، كما يرضي الحس الطفولي لدى الكبار. و«إنكانتو» التي تعني «السحر»، قصة يمكن القول إنها واقعية جداً في معانيها والهدف الذي تسعى إليه، وواقعية أكثر في نقل الجمهور من حالة سحر خيالي وهمي، إلى سحر حقيقي يتحقق بالإرادة والحب والتفاهم.

حين نقول «الحب» و«ديزني»، تتبادر إلى أذهاننا قصص الأميرات الجميلات التي تصل إلى ذروتها بلقاء الحسناء بالأمير، أو الحبيب، وتنتهي بالزواج والحياة السعيدة، لكن «ديزني» انتقلت في السنوات الأخيرة إلى مفهوم آخر للحب وللقصص الخيالية الممزوجة بالواقع، فلم تعد السعادة مرهونة بفكرة زواج البطلة من بطل جميل، بل تكتمل سعادتها وقوتها بتحقيقها لذاتها وطموحاتها، وإسعاد كل من حولها. وطغى مفهوم الصداقة وتضامن الأسرة على منطق النهاية السعيدة التي لن تتحقق سوى بالارتباط فقط، خصوصاً أن أغلبية أفلام «ديزني» تعتمد على البطولة الأنثوية ويأتي البطل مسانداً لها.

مأساة ومعجزة

في «إنكانتو»، البطلة فتاة كولومبية اسمها ميرابل (ستيفاني بياتريز)، تنتمي لعائلة «مادريجال» التي واجهت تحديات صعبة انتهت بمأساة، حيث قتل الأب وبقيت الأم أبويلا ألما (ماريا سيسيليا بوتيرو)، وحيدة مع أطفالها الثلاثة، لكن معجزة حصلت حين وجدت شمعة منحتها وعائلتها قوة غير عادية، وسحراً لا ينتهي، ولا ينطفئ، حتى المنزل الذي حصلت عليه أبويلا سحري، لكل فرد من العائلة موهبة يكتشفها حين يبلغ سناً معينة فيصبح له باب خاص به، يفتحه أول مرة في احتفال يحضره كل أفراد الأسرة وأهل القرية، فيمنحه قوة خاصة تميزه عن باقي الناس، وحتى عن باقي أفراد مادريجال، باستثناء ميرابل التي عاشت الصدمة وهي صغيرة، حين جاء دورها لتفتح باب غرفتها الخاصة، فإذا بالسحر ينطفئ وبالتالي لا تحصل ميرابل على أي قوة مميزة، أو خارقة.

ميرابل هي البطلة، وهي الأقل سحراً، في حين تنعم شقيقتها لويزا (جيسيكا دارو) بقوة بدنية تمكنها من رفع الأثقال بسهولة، فتعتمد عليها القرية بأكملها، برجالها ونسائها، في حمل ونقل كل شيء، وأختهما إيزابيلا (ديان جيريرو) تنثر الأزهار والورود في كل مكان وكيفما تحركت. وطبيعي أن ينشغل الجمهور ببطلته الجميلة المحبوبة الطيبة ويبحث معها عن أسباب ما حصل لها، خصوصاً أن السحر استمر في منح باقي أعضاء الأسرة ما يميزهم، حتى الأخ الصغير أنطونيو حصل على قوة تمكنه من التحدث إلى الحيوانات، وفهمها. لكن الفيلم يأخذنا لاكتشاف أكثر من سر، وأكثر من سحر، ويملك من التشويق ما يجعل الجمهور مشدوداً منبهراً مستمتعاً، خصوصاً بالأجواء الاستعراضية والأزياء المميزة بألوانها والديكور والأغاني الأكثر من رائعة والتي لاقت رواجاً سريعاً على كل مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات فور صدور الفيلم.

ثلاثة أشخاص

فر يق عمل «إنكانتو» هو العامل الأهم والأول في نجاحه، واللافت أنه يتكون من ثلاثة أشخاص تشاركوا في التأليف وكتابة السيناريو، وفي الإخراج أيضاً، وهم جاريد بوش، بايرون هوارد (مؤلف القصة)، وتشاريس كاسترو سميث. تعاون أثمر نجاحاً يجعل المشاهد مستمتعاً طوال مدة عرض الفيلم (ساعة و42 دقيقة)، راغباً في مشاهدته أكثر من مرة، ومردداً الأغاني التي تعلق في الرأس سريعاً. ومن عوامل نجاح الفيلم أنه يأخذنا في رحلة اكتشاف أسرار سحر عائلة مادريجال، فنكتشف في النهاية أشياء أخرى أكثر أهمية، منها أن السر الأكبر والأهم يكمن في المحبة والتسامح والتصالح بين أفراد العائلة، واكتشاف كل فرد لذاته وقدراتها والتعايش معها بفرح، لأن أي سحر خارجي أو وهمي قد يزول ولا يحقق السعادة الحقيقية للإنسان. التصدعات التي تراها ميرابل في جدران المنزل، ترمز إلى التصدعات داخل الأسرة نفسها، والصراع الدائر بين الفتاة التي «لم تحصل على النعمة» كما يعتقدون، وجدّتها التي تتمسك ببعض الأوهام وتتهم ميرابل بانهيار العائلة وتاريخها وسحرها.

هل يمكننا القول إن الفيلم طيب القلب؟ هذا ما تشعر به حين تشاهد «إنكانتو»، خصوصاً أنه لا يقدم أي شخصية شريرة بمفهوم أشرار الرسوم المتحركة وقصص الخيال، وإن قدم في البداية شخصية برونو (جون ليجيزامو) الغامضة بشكل يحسبه الجمهور شريراً سيقضي على العائلة والسحر، بينما هو في الواقع من يملك مفتاح الحل ولا يقل طيبة عن ميرابل.

الفيلم مبهج ومريح ومناسب، بل نحتاجه في هذا الزمن، فهل يخلو من العيوب؟ ما يؤخذ عليه هو ما يؤخذ على أغلبية أفلام الكرتون، لا سيما تلك الخاصة ب«ديزني» في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت رسوم الشخصيات متشابهة، فتشعر بأن ميرابل مثلاً تشبه «موانا»، وبعض الأحداث تذكرك بفيلم «فروزن» ولقطات تشعر بأنك رأيتها في «الجميلة والوحش». ربما هي ملحوظات شكلية، يتغاضى عنها المشاهد أمام الجوهر الذي يطغى، والذي يهمنا أن نشدد عليه كي يتكرر وينتشر في كل أفلام الكرتون، والأفلام العائلية، والجوهر هو رسالة الفيلم التي تدعو إلى تلاحم العائلة، والبحث عن القوة في الذات وفي التضامن والمحبة، وفي التضحية من أجل إسعاد الآخرين والحفاظ على الأسرة. قيم تغيب في هذا الزمن عن كثير من الأفلام خصوصاً مع انتشار الأفلام المفسدة للأخلاق والداعية إلى نشر الشذوذ وكل فكر شاذ ومريض.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"