عادي

الإسلام.. دين حوار وتعايش وسلام

23:20 مساء
قراءة 6 دقائق
لقاء شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان في الإمارات رمز للحوار الإنساني

القاهرة: بسيوني الحلواني
علاقة الإسلام باليهودية والمسيحية هل هي علاقة إقصاء ومصادرة كما يعتقد البعض؟ وهل الحوار بين أتباع الأديان بدعة كما يردد الرافضون له؟ وهل المسلم غير ملزم شرعاً بالإيمان بالرسالات السماوية الأخرى؟ وكيف رسم لنا ديننا شكل العلاقة مع المخالفين لنا في العقيدة؟

تساؤلات مهمة تفرض نفسها على واقعنا الفكري والديني المعاصر في ظل استمرار بعض المتشددين والمتطرفين في ترديد أقوال وتبني مواقف لا علاقة لها بديننا من قريب أو بعيد؛ لذلك ذهبنا لعدد من كبار علماء الإسلام ليوضحوا لنا حقيقة الموقف الإسلامي من الأديان السماوية السابقة، وكيف تكون علاقة المسلم بأتباعها في كل مكان ووقت.

يؤكد الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن الإسلام دين حوار وتعايش وسلام، ويرسي كل صور التلاقي والتعاون مع الآخر من أجل رخاء واستقرار كل المجتمعات الإنسانية، بصرف النظر عن عقائدها وقناعاتها الدينية. ويقول: لا إقصاء لغير مسلم بسبب عقيدته، ولا مصادرة لإرادة إنسان في اختيار ما يرتاح له ضميره، وتستقر به نفسه. والقرآن الكريم هو من يرسم لنا هذه الصورة، ويحدد ميثاق تلك العلاقة، فعلاقة المسلمين بأصحاب الأديان السماوية تضبطها نصوص قرآنية واضحة، وأحاديث نبوية صحيحة، لا يجوز لأحد من المسلمين أن يتجاوزها، ولنا أن نتأمل قول الحق سبحانه وتعالى: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون».

1
د.عباس شومان

وهذه الدعوة القرآنية دعوة صريحة إلى الحوار الديني بين طرفين: الجانب الإسلامي، وجانب أهل الكتاب من المسيحيين واليهود، وهناك قضية يدور الحوار حولها وهي القضية المحورية في الدين أساساً، وهي الألوهية. ولا يكتفي القرآن الكريم بمجرد المبادرة؛ بل يرسم أيضاً أسلوب الحوار، فهو سيؤدي إلى مناقشات ومجادلات ولكنها ينبغي أن تلتزم بأدبه، ومن هنا يقول القرآن في ذلك: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن».

كما جعل القرآن الجدال بالحسنى أحد المناهج التي يتحتم على الدعاة إلى الإسلام اتباعها، لا مع أهل الكتاب فقط؛ بل مع كل الناس: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن».

ويوضح شيخ الأزهر أن «الإسلام دين يرتبط ارتباطاً عضوياً بالأديان السماوية السابقة؛ فنحن المسلمين مطالبون بأن نؤمن إيماناً عميقاً بأن كلاً من التوراة والإنجيل والقرآن، هُدى ونور للناس، وأن اللاحق منها مصدق للسابق، ولا يتم إيماننا بالقرآن ولا بنبينا محمد عليه الصلاة والسلام إلا إذا آمنا بهذه الكتب السماوية وبموسى وعيسى وبمن قبلهم من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم؛ لذلك نقرأ في القرآن قوله تعالى: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون».

ويذكر شيخ الأزهر أن الإسلام يرسم للمسلم شكل علاقته بالآخرين، فواجبه أن يكون محباً للبشرية جمعاء، مهموماً بقضايا الأمن والسلام للجميع، يبحث عن هذا السلام ويتمناه لكل الناس، مهما اختلفت أوطانهم وأجناسهم وقومياتهم، وكيفما كانت أديانهم وعقائدهم ومذاهبهم.

ومن هنا يرفض الطيب تحميل الإسلام مواقف عدائية تجاه المخالفين للعقيدة، ويقول: ليس صحيحاً ما يدعيه البعض من أن الإسلام دين يدفع أو يحض أتباعه على قتال غير المسلمين، وأنه دين يرفع السيف في وجوه المخالفين له، فلفظة «السيف» هذه ليست من ألفاظ القرآن، ولم ترد فيه ولا مرة واحدة.

ويضيف: الإسلام لا يبيح قتال غير المسلم بسبب رفضه للإسلام أو لأي دين آخر، وحرية العقيدة مكفولة في القرآن بنص صريح؛ وذلك في قوله تعالى: «فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ» وقوله أيضاً: «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ»، وجاء في الدستور الذي بعث به النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن: «مَنْ كَرِهَ الْإِسْلَامَ مِنْ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ»، ولم يسجل التاريخ عن المسلمين في البلاد التي حكموها حالة واحدة خيروا فيها أهل البلاد بين اعتناق الإسلام أو السيف؛ بل كانوا يقرون أهل هذه البلاد على أديانهم وعاداتهم وتقاليدهم، ولا يرون بأساً من العيش بجوارهم والاختلاط بهم والتزاوج معهم.

1
د. محمد المحرصاوي

ويرفض شيخ الأزهر تلك الأصوات النشاز التي تحاول فرض وصايتها على علماء المسلمين ومفكريهم وترفض الحوار الفكري مع أتباع الأديان السماوية. ويقول: لا حوار في العقائد والخصوصيات الدينية لكل طرف، ولكنه حوار واجب ومطلوب في كل وقت بين أتباع الأديان من أجل إعلام قيم الإنسانية وترسيخ مفاهيم التعاون والتعايش والعمل المشترك لمصلحة الإنسان أياً كانت عقيدته، ونحن في الأزهر الشريف، وهو أكبر مرجعية للمسلمين، نسعى إلى كبريات المؤسسات الدينية في الغرب، لاستعادة جسور التلاقي والتعاون، وترسيخها من أجل وقوف الأديان صفاً واحداً في مواجهة مخاطر التعصب.

ضرورة عصرية

د. عباس شومان، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر، يؤكد أن الحوار من أجل التعايش والسلام مطلب ديني، كما هو ضرورة عصرية، وأنه لا تحفظات على الحوار من أجل التفاهم والتلاقي بين أتباع الأديان السماوية، فالقرآن الكريم حاور المخالفين، ورسول الله صلوات الله وسلامه عليه مارس حوارات كثيرة مع المخالفين لرسالته، وكان ذلك إحدى وسائل الدعوة إلى الإسلام والتعريف به.

ويضيف: ديننا يحثنا على الحوار والتفاهم والتعاون مع أتباع الأديان السماوية، ولا نتحاور في أمور العقيدة، فهي خصوصية لا يجوز للمخالف لي طرحها للحوار معي، وحوارنا ينصب على القضايا والمشكلات التي تتطلب جهوداً مشتركة لحماية الإنسان من الصراع والخلاف حولها والتعصب لها؛ لذلك وضع الأزهر والفاتيكان وثيقة لهذا الحوار من عقود، ومنها انطلق الحوار بين علماء الإسلام ورجال الدين المسيحي، وحقق نتائج طيبة نتمنى تعظيمها في المستقبل القريب والبعيد.

وينبه شومان إلى أن فرص التلاقي والتفاهم والتعاون بين أتباع الأديان السماوية كثيرة ومتنوعة، فهي تتفق في الأصول والجوهر، وإن تباينت في التفصيلات والجزئيات. ويقول: الأديان السماوية كلها تقوم على التوحيد، وتحض على الأخلاق الفاضلة، وتنهى عن ارتكاب الكبائر، وتتماثل الديانات الثلاث في أسس العبادة، فهي كلها تأمر بالصوم والصلاة والزكاة وإن اختلفت في مواعيد أدائها ومقدارها وكيفية هذا الأداء. كما أنها تقترب من بعضها في شؤون العقيدة كالإيمان بالله الواحد وملائكته وكتبه ورسله ويوم البعث..... إلخ، ولكنها تختلف في أن الديانات اللاحقة تعترف بما سبقها من ديانات ولكن السابقة لا تعترف بما جاء بعدها، فالإسلام خاتم الرسالات السماوية، يعترف بكل من المسيحية واليهودية؛ ولذلك فإن فرص التلاقي فيه مع أتباع الأديان السماوية السابقة أكثر من غيره من الأديان.

ويشدد عضو مجمع البحوث بالأزهر على أن التعايش السلمي بين أتباع الأديان هو الهدف الأعظم من وراء جهود الحوار؛ لذلك ينبغي أن ينطلق من المبادئ والقواعد المرعية في المجتمع الدولي، وعلى رأسها حرية العقيدة، ومبدأ المساواة، وكل ذلك دون المساس بالأصول الثابتة في كل ديانة.

خطوات عملية

يؤكد د. محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر وأحد أعضاء مركز الأزهر للحوار أن الأزهر انطلاقاً من رسالته الدينية والإنسانية وترجمته الصادقة لتعاليم الإسلام وتوجيهاته، يرحب بالحوار ويمارسه عملياً، ويقود حواراته فضيلة الإمام الأكبر، ومعه نخبة متميزة من العلماء والمفكرين الإسلاميين المتميزين. ويشير إلى اتخاذ الأزهر خطوات عملية لترسيخ ثقافة الحوار بين أتباع الأديان، بدءاً من إنشاء بيت العائلة المصرية برئاسة مشتركة بين فضيلة شيخ الأزهر وقداسة البابا تواضروس، بابا الكنيسة الأرثوذوكسية، تلاها انفتاح الأزهر على المؤسسات الدينية المسيحية في أوروبا وعقد شراكة مع مجلس الكنائس العالمي وكنيسة كانتربري في بريطانيا والتي انبثق عنها إقامة منتدى شباب صنّاع السلام في جامعة كامبريدج بين شباب الشرق والغرب؛ لترسيخ أسس الحوار والتسامح وصناعة سفراء للسلام والتعايش المشترك.

وثيقة الأخوة الإنسانية

يؤكد د. محمد المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، أن توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية بين فضيلة الإمام الأكبر وقداسة البابا فرنسيس 2019 في أبوظبي بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، جاء تتويجاً للجهود التي بذلت بين الأزهر والفاتيكان على مدار عام، وبداية لمشوار طويل في ترسيخ أسس الحوار والتعايش، أعقبها تشكيل لجنة تتولى تنفيذ بنود الوثيقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"