أصحاب النخوة وشياطين الإنس

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين

لم نعد ننتظر انطواء الشمس عند مغيبها كي نشاهد نشرة الأخبار المسائية، ولا نبدأ صباحاتنا مع إشراقة الصحافة الورقية لنعرف ماذا حصل أمس في العالم، فكل حدث يصل بالبث الفوري والمباشر من مصدره إلينا، وتتدفق كل الأخبار والحكايات من كل صوب على مدار الساعة، ووسط كل هذا الزخم والزحام ما زالت المواقف الإنسانية هي البطلة الأولى والقادرة على تحريك مشاعرنا.
لا يمكنك، مثلاً، أن تمر مروراً عابراً على خبر الخادمة التي أنقذت حياة مخدومتها الشابة من براثن أصدقائها الذين أوقعوها عمداً في أتون المخدرات، وتسببوا في طلاقها وانهيار علاقتها بأهلها. خادمة لم تستسلم للتجاهل؛ بل حركها ضميرها ودفعها للاتصال بوالدة المرأة التي ما زالت دون الثلاثين من العمر ومطلقة ولديها طفل صغير، مستنجدة بها كي تسرع إلى إنقاذ ابنتها. 
لا الأم كانت تعلم بحال ابنتها التي تعمّدت الابتعاد عن أهلها كي لا يكتشفوا أمر إدمانها، ولا الزوج استطاع أن يحمي زوجته من أصدقاء السوء، ولا الأمومة ومسؤولية تربية طفل تمكنتا من الصمود في وجه هؤلاء «الشياطين»، فكيف لا نخاف على الأبناء من كل صديق سيئ يمشي في طريق الضلال والمخدرات وأي من أشكال الممنوعات؟
للقصة وجهان: وجه الوفاء وصحوة الضمير في أخلاق الخادمة التي تطوعت وتصرفت من تلقاء نفسها لتنقذ الأم الشابة وابنها، ووجه الغدر وانعدام الضمير في من تقرّبوا من المرأة وأغووها باسم الصداقة فصدقتهم وسلمتهم عقلها ومفاتيح حياتها الأسرية وأسرارها، ثم استسلمت لفكرة «تهدئة» الأعصاب عند كل أزمة زوجية من خلال مواد لم تعلم بداية أنها مخدرات! 
الشياطين لا يكلّون ولا يملّون، يتسللون من كل منفذ متاح حتى يغروا ضحاياهم بكل شيء وأي شيء فيتمكنون منهم. ليس الطلبة هم الضحايا الوحيدين لتجار المخدرات وأصدقاء السوء؛ بل الكل يمكن أن يكون معرّضاً لمحاولات هؤلاء الموسوسين الإيقاع به وإغراءه بطرق ملتوية وغير مباشرة. 
لا تخلو الحياة من أصحاب الضمير اليقظ وأصحاب «النخوة الإنسانية» الذين يهبّون للمساعدة دون أن يطلب منهم أحد ذلك، ولن تتوقف الحياة عن حمل رايتي الخير والشر.. الأبيض والأسود، فهي تقدّم لنا كل أشكال وأنواع النفوس البشرية والأخلاق والعقول وتتركنا نختار مع مَن سنكمل طريقنا وبأي اتجاه نسير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"