من كيسنجر إلى أبي تمام

00:12 صباحا
قراءة دقيقتين

هل حبست الأنفاس، ولم تدرِ كيف تضرب الأخماس في الأسداس؟ كأن الحطيئة قال على لسان كيسنجر للثقافة: «تنحّيْ واقعدي مني بعيداً»، فماذا ترك الثعلب المئويّ لمنظومة القيم التي هي حلم الإنسانية لإنقاذ البشر؟
حديثه ليس بالهزل، فهو من أندر المفكرين الدبلوماسيين الاستراتيجيين، الذين لا تستطيع ألاّ تصغي إليهم إذا نبسوا ببنت شفة. قال: «نحن على حافة حرب مع روسيا والصين». ماذا يعني الجمع «نحن»؟ هل من سائر على نهج ملك ملوك إفريقيا، فيقول لهم: «من أنتم؟».
نحن التي يعنيها هي «هم» المختلفة عن كل الضمائر التي لها ضمائر.
 «نحن على حافة حرب» يفهم منها عقلاء الميادين ذات العلاقة، أن الحسابات قد حُسبت على صعيد الربح والخسارة، النصر والهزيمة، وهذه بدورها تعني لدى الخبراء أن الخطط بأنواعها وبدائلها «أبجد هوز» الخطط قد أعدّت بما في المخزون من آلاف الرؤوس النووية، والبلدان بشعوبها البريئة التي ستذهب شظايا ورماداً، وهذه نثريات لا مكان لها في صدارة الأحداث والحادثات.
لا يوجد عاقل يمكن أن يتخيّل أن «نحن» لا تعني مجرّة حلف شمال الأطلسي المترامية. ببساطة: حرب عالمية، اصطفافاتها في كل القارات. كل فريق شعاره: نحيا معاً، ونموت معاً. تأمل الساحات الممتدة لهذه الجحيم، من السويد إلى أستراليا واليابان، ومن الولايات المتحدة إلى روسيا والصين، والعالم العربي في كل التقاطعات. ما هذا الحظ السيّئ الذي جعل العجوز هنري يذكّرنا بالشعر الكلاسيكي الذي نسيناه ونسينا أنه لا بأس بتذكّره وزيارته ولو كل سنة مرّة. يبدو أن كيسنجر ينام ويصحو على شعر أبي تمام: «السيف أصدق إِنباء من الكتبِ.. في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعبِ».
رفقاً بالثقافة يا شاعر الحماسة، أمثلك يقول؟: «بيض الصفائح لا سود الصحائف في.. متونهنّ جلاء الشك والرّيبِ». مهلاً حبيب بن أوس، فقد جاوزت حدّك في تجاوز حدود الأدباء والكتّاب والفنانين، فلم تُبق حرمة للمبدعين في الفن الروائي ونجوم السينما والمسلسلات والمستغنى عنه من المغنى، بلا طعم ولا معنى، تقول: «أين الرواية بل أين النجوم وما.. صاغوه من زخرف فيها ومن كذبِ». 
لكن يشهد الله أن في كلامك صواباً كثيراً، فعدد هائل من نجوم الوسط إيّاه، صاغ الناس فيهم زخرفاً بلا حساب.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستنتاجية: هواجس هلاوس الحرب العالمية، لا تدع مجالاً للكتابة العقلانية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"