عادي
بسبب ندرة النصوص الصالحة للخشبة

المسرح يتغذى على الرواية

19:21 مساء
قراءة 5 دقائق
مشهد من مسرحية «شيطان البحر»
مشهد من مسرحية «التريلا»

أحمد الماجد

تحول وجود الكاتب المسرحي الإماراتي بمرور الزمن إلى حاجة أساسية وملحّة، خاصة بعد تزايد عدد المهرجانات المسرحية التي تطلب على الدوام المزيد من النصوص، والتي أتاحت الفرص للكتاب المحليين لتقديم نصوصهم وأسست لصناعة الكاتب المسرحي في الإمارات.

فلا يمكن للمسرح أن يتواصل ويستمر ويؤثر إذا لم يكن نابعا من بيئته، حيث تتشكل ملامحه من بين الأزقة والشوارع، راصدا مشاكل أبناء المجتمع وهمومهم وأمانيهم وتطلعاتهم، بعدما عانى المسرح في مرحلة البدايات من ندرة النص المسرحي المحلي وفقدانه أحياناً، الأمر الذي اضطر الفرق المسرحية والمخرجين إلى الاعتماد على النصوص المعدّة عن نصوص عربية وأجنبية وتحويلها.

يقف الاقتباس والذي يعرّف على أنه «إعادة الكتابة بشكل كلي مع الحفاظ على الفكرة»، عند حدود الاستفادة من ثيمة واحدة من العمل الأصلي المقتبس عنه أو بشخصية أو أكثر بحيث يقتبس صفاتها أو بعض صفاتها مع مسمياتها، وهو يختلف عن الإعداد اختلافاً كبيراً حيث إن الإعداد يبقي على عناصر النص الأصلي إذ إنه عملية تعديل تجري على العمل الأدبي أو الفني من أجل التوصل إلى شكل فني مغاير يتطابق مع سياق جديد.

من أجل ذلك، جاء الاقتباس لإعادة صياغة نصوص تتقارب والحياة العامة في الإمارات في نواحيها الاجتماعية أو الاقتصادية بمعنى أن تلك النصوص كانت تعتبر نصوصاً وسطية جاءت كعلاج لإشكالية النص المسرحي الإماراتي وتعويضاً عن تلك الندرة التي عقدت حولها عدة ندوات تنظيرية وأقيمت من أجلها عدة ورش تدريبية آخرها، ووضعت لها الخطط والبرامج بل ورصدت لها الجوائز والحوافز بغية تنشيط هذا الجانب المهم في المسرح الإماراتي.

ظاهرة

تلك العوامل ساهمت في ظهور كتّاب مسرح جدد، استطاعوا خلال فترة وجيزة أن يشكلوا ظاهرة حقيقية وواضحة في الحياة المسرحية، معظمهم يتقارب مع الآخر في العمر، كما أن ذلك الجيل من الكتّاب مثلوا جيل الشباب في وقتهم، تزامنت ولادتهم بتفاوت مع قيام دولة الاتحاد، وكانوا جميعا من خريجي الجامعات الحديثة داخل وخارج الدولة، و عاصروا تلك التحولات التي عاشتها الإمارات على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما عاصروا التحولات التي رافقت المجتمعات القديمة المتمثلة في مجتمعات الصيد إلى مجتمع منفتح على الحضارة العالمية يستفيد ويوظف كافة التقنيات الحديثة، إضافة إلى أن هذا الجيل من الكتاب انفتحوا على ثقافات الشعوب الأخرى سواء كان في الدراسة والابتعاث إلى خارج الدولة أو من الثقافات التي وفدت إلى المنطقة، إلا أنهم لم ينسلخوا عن واقعهم أو تنكروا لجذورهم أو رفضوا أصولهم أو تقاليدهم، بل جعلوا من كتاباتهم وسائل دفاع عن الإرث الحضاري والإنساني للمنطقة، والحفاظ على مجموعة القيم الأخلاقية التي عرف بها شعب الإمارات. ولعل من أبرز أولئك الكتاب:سالم الحتاوي، صالح كرامة، باسمة يونس، عبدالله صالح، مرعي الحليان، د. حبيب غلوم، ناجي الحاي، جمال مطر، جمال سالم، بالإضافة إلى الأسماء التي سبقتهم بفترات وطورت أدواتها وتميزت أيضا بكتاباتها الجديدة، مثل أحمد راشد ثاني وإسماعيل عبدالله.

لقد دعت الحاجة إلى خوض غمار الاقتباس بعد انفتاح الكاتب المحلي على الثقافات العربية والعالمية، وإطلاعه على الكثير من النصوص الأدبية العربية والعالمية، الأمر الذي أغرى بإعادة صياغة تلك النصوص عبر مسرحتها بما يتوافق مع روح العصر وقضاياه الآنية، خاصة وأن هناك نصوصاً عاشت أكثر من عمر كاتبها الافتراضي، لما حوته من إبداع يصلح في كل مكان وفي كل زمان، وكذلك فإن التوافق بين فكر الكاتب المحلي ومضامين النصوص الأصلية، وخصوصاً الروايات ومقوماتها الدرامية أهلت عدداً منها إلى أن تتحول لنصوص مسرحية، كما وجد الكاتب في شخصيات القصص والروايات بناءً عميقا وفاعلية وحضورا، مما أهلها لأن تعيش على الخشبة، كذلك فإن الأمانة الأدبية التي يتحلى بها الكاتب المحلي، فرضت عليه إرجاع المادة المستقاة إلى أصحابها، على الرغم من أن المطلع على العديد من النصوص المقتبسة يرى أنها لا تشبه النص الأصلي إلا في خيط رفيع، رأينا ذلك في نص مسرحية «سفر العميان» المنتجة في عام 2008 لناجي الحاي والمقتبسة عن «العميان» لموريس ميترلنك، حيث أعاد العرض إنتاج النص بطريقة مختلفة، حيث قدم قراءة إنسانية مهمة ورؤية لمستقبل الصراع بين مستويين من مستويات القوى الفاعلة في المجتمعات العربية، وأدار الصراع في فضاء حالة العمى حينما يقوم مجموعة من العميان برحلة صحراوية ثم يفقدون طريقهم.

وفي مسرحية (التريلاّ)، المنتجة في عام 2013 للكاتب إسماعيل عبدالله، والتي اقتبسها عن رواية «زوبك» لعزيز نيسين، فالجامع بين الرواية الأصلية ونص التريلا هو شخصية إبراهيم زوبك، أو جمعان في نص التريلا، بأسلوبها في الترويج عن نفسها وجعل من حولها يصدقون ما تقوله بالدلائل والبراهين التي تفتعلها الشخصية موهمة من حولها بالحيلة والمكر. وفي مسرحية «شيطان البحر» التي اقتبسها الكاتب والفنان مرعي الحليان، والمنتجة في عام 2016 عن رواية «اللؤلؤة» لجون شتاينبك، جعل مسرحيته تدور في مجتمع خليجي تقليدي، حيث البحارة الفقراء وتجار اللؤلؤ، والمداوي الذي يستخدم الشعوذة للتحايل على الناس، وحيث البحر وبيئته، كما عزز استخدام اللهجة الإماراتية التقليدية لإضفاء الطابع المحلي على العمل. وكذلك فعل المخرج محمد العامري في عدد من المسرحيات وخصوصا مسرحية «المجنون» المنتجة في عام 2018، التي أعدها عن رواية «المجنون» لجبران خليل جبران، وكتب السيناريو العراقي قاسم محمد منذ سنوات، حيث حوى العرض كثيراً من الطروحات القريبة من المتلقي من خلال شخصية المجنون الذي يطمح لأن يعيش في عالم أفضل.

علاقة قديمة

وعلى الرغم من أن النقاد رأوا أن العلاقة بين المسرح والرواية قديمة جداً، لا سيما تلك الحكايات التي تمت مسرحتها في بدايات المسرح الإغريقي، باعتبار أنها بذور أو أشكال أولية للرواية الحديثة، وبالإضافة إلى أن الرواية استفادت من تقنيات مسرحية عدة كالحوار والمونولوج والإرشادات المسرحية، خصوصا في عصرنا حيث تعيش الفنون حالة تداخل ظاهرة وتعمد إلى إغناء هويتها بالتعدد والتنوّع، إلا أن إشكالية النص المقتبس عن الرواية لا تزال قائمة، من حيث اعتباره نصاً مؤلفاً أم نصاً معداً، حيث ترى الباحثة المصرية أسماء يحيى الطاهر في كتابها «مسرحة الرواية» أن النصوص الممسرحة عن الرواية تعد نصا إبداعيا مستقلا، سواء زاد تدخل الكاتب المسرحي في الرواية أم لا، حيث يطرح النص المسرحي تقنياته الخاصة وحيله التي تختلف عن الرواية بالضرورة، ولا يجب بأي حال من الأحوال مقارنة النصين الروائي والمسرحي للوصول إلى تقييم أيهما أفضل، بل يجب أن ينظر إلى كل نص على حدة وتقييمه وفقا لتقنياته الخاصة به.

بقي أن نشير إلى أن عملية اختيار الرواية المناسبة لتحويلها إلى نص مسرحي، يجب أن تحصل بوعي، من خلال الانتباه لعلاقة النص بالزمان والمكان بل وبالإمكانيات المادية والفنية المتيسرة، وكذلك ملاءمة النص الأدبي للعمل المسرحي، إذ ليست كل رواية قابلة للتحويل إلى نص مسرحي، هذا الخلل لاحظناه في عدد من النصوص المسرحية التي قدمت في المهرجانات المحلية، فالنص المسرحي الجيد يعتمد على شخصيات قادرة على حمل الصراع، وعلى خطوط درامية متصاعدة، والأهم من ذلك كله آنية ما تحمله تلك الرواية من طروحات يمكن إسقاطها على الواقع المعاش وتحقق شرط «الآن وهنا»، لتأتي وظيفة الكاتب في تحويل السرد إلى دراما، عبر حذف المشاهد والشخصيات الزائدة عن الحاجة، وتحويل الجملة الأدبية إلى جملة درامية، وتكثيف الأمكنة المتعددة وفقاً لمتطلبات النص.

أعمال يمكن الرجوع إليها للمزيد حول الموضوع

• عبدالإله عبدالقادر: المسرح في الإمارات ستون عاماً من العطاء، إصدارات وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، الإمارات العربية المتحدة، 2012م.

• دكتورة ماري إلياس، دكتور حنان قصاب حسن: المعجم المسرحي مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض، مكتبة لبنان، بيروت، 1997.

• أسماء يحيى الطاهر: مسرحة الرواية، دراسة في المسرح المصري، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2010م.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mtees39d

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"