الأم «الكابوس»

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

«الطلاق هو الحل»، كلمات ثلاث تتردد كثيراً في زمننا هذا، والكل يتساءل عن السبب، هل لأن الإنسان جنى على نفسه فوضعها تحت ضغوط كثيرة، وأطلق على زمنه لقب «عصر السرعة»، فصار يلهث وكأنه في سباق دائم ومتواصل، لا فرق فيه بين الليل والنهار، ولا وقت فيه لراحة، تحتاج إليها النفس بشدة، بل صارت الراحة هي أيضاً لعبة إلكترونية، تزيده توتراً وإرهاقاً ولهاثاً؟. 
الطلاق الذي ازداد في كل المجتمعات، وصار ظاهرة، لدرجة أنه بات الخيار الأسرع والأسهل للزوجين، ينطقان به فور اختلافهما على أي شيء في يوميات حياتهما الزوجية، يكون بداية لانقلاب في حياة الأبناء، خصوصاً إذا انشغل كل من الأب والأم في حياتهما، وانساق كل منهما خلف رغبته في الانتقام من الآخر، ويكون الأطفال أحياناً هم السلاح الذي يستخدمه هذا الطرف أو ذاك، ليطلق من خلاله الرصاص على «خصمه». 
الأطفال يدفعون الثمن، وهنا لا نعمم، لأن الانفصال بين الزوجين في بعض الحالات يكون علاجاً، ولا ينعكس سلباً على الأطفال، إذا تمتع الأهل بالنضج الكافي، وتداركوا الأمر بالتعامل الراقي بين بعضهما ومع أطفالهما.. وحين نفكر في «دفع الثمن» ترجح الكفة غالباً لتنصف الأم على حساب الأب، خصوصاً حين نتحدث عن تعرض الأطفال للعنف، وسوء المعاملة والإهمال بعد طلاق الوالدين؛ أما الواقع فيقول أشياء أخرى، يخبرنا مثلاً عن طفلين تردت أحوالهما بشكل ملحوظ، بعد انفصال الوالدين، وتحديداً بعد صدور الحكم بحق حضانتهما لصالح الأم.
غريبة هذه القصة، لكنها حقيقية، وليست من صنع خيال كاتب سينمائي، ولا مخرج يحب إضافة البهارات والمآسي، كي يشد انتباه الجمهور، ويكسب تعاطفه! حكاية تكشف أن الأم ليست دائماً وحكماً صالحة، ولا يكون حضنها بالتأكيد دافئاً، ولا قلبها يفيض باستمرار وبشكل فطري حباً وحناناً، فأم الطفلين كانت كالكابوس الذي يطارد الصغيرين في يقظتهما، وبدأت آثار هذا الكابوس تظهر على الصغيرين تدريجياً، ومع كل زيارة أو ما يسمى ب«رؤية» الأب للطفلين في هيئة تنمية المجتمع في دبي، حيث لوحظ تغير في سلوكيات الطفلين، يستخدمان ألفاظاً غير مهذبة ويتشاجران مع بعضهما بشكل عدواني خلال مقابلات الرؤية، بجانب عدم النظافة الشخصية، وارتدائهما ملابس غير نظيفة وغير مرتبة، والأخطر من كل ذلك ظهور علامات على جسديهما، تؤكد تعنيف الأم لهما، ناهيك طبعاً عن تراجع مستواهما الدراسي، وانخفاض كبير في درجاتهما وإهمالهما للواجبات المدرسية.
لم يكن سهلاً على الأب استعادة حضانة طفليه، إلا بعد أربعة أعوام، وبفضل الجهود التي قادتها هيئة تنمية المجتمع في دبي، فكيف عاش الصغيران تلك السنوات، وما كان مصيرهما لولا متابعة الهيئة، وملاحظات الأب وحرصه على إنقاذ صغيريه؟ وما تأثير تلك السنوات التي عاشا خلالها في جحيم الأم لا في كنفها وحضنها؟ أليس الأب أكثر حناناً على صغيريه منها؟ وهل تليق الأمومة بكل من أنجبت طفلاً؟.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/37u489mt

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"