الرياضة والسياسة

01:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

رياضة كرة القدم، أكثر رياضة شعبية في العالم، لا تعتمد على مهارة اللاعبين ولياقتهم البدنية فحسب، وإنما أيضاً على التخطيط الاستراتيجي المتضمن للتكتيكات ودراسة الحالة النفسية واللجوء إلى الدبلوماسية والخدعة وسرعة التنفيذ، وهي تنطلق من الجماهير وإلى الجماهير، شأنها شأن السياسة التي تعتمد على كل ما سبق، وكلاهما يهدف إلى هزيمة الآخر.

المباراة هي حرب من دون ضحايا بينما السياسة تقود إلى حرب قد تودي بحياة الملايين، كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية. ولسنا هنا في مقام المقارنة بين كرة القدم والسياسة. جميعنا يعلم الفوارق والاختلافات والتآلفات، لكن يمكننا القول إن رياضة كرة القدم هي عمل سياسي بامتياز، كونها تُظهر مستوى الحس الوطني والانتماء الشعبي، والعمل الوطني سياسة في كل تجلياته الكروية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وبذلك يمكن لكرة القدم توحيد الشعوب التي تربطها قواسم مشتركة، كاللغة والدين والقضايا المصيرية.

ولعلّي وجدت وحدة عربية كوّنها الفريق المغربي العربي، وهو يصارع الفرق الأخرى غير العربية، ولم ألمس فرحة عربية جماعية منذ عقود، كالفرحة التي ارتسمت على وجوه المشجعين العرب بعد تأهل الفريق المغربي إلى نصف النهائي، وهذا التشجيع الجماهيري تجاوز الخلافات السياسية بين بعض البلدان العربية، لأن الخلافات في الأصل ليست بين الشعوب وإنما بين الأنظمة، فشاهدنا الجماهير الجزائرية وهي تهتف للمنتخب المغربي مع وجود خلافات سياسية بين النظامين، وكذلك التفّت الجماهير العربية حول الفرق السعودية والتونسية والقطرية، وكانت قلوبها معلقة باللاعبين وكأنهم يخوضون حرباً مصيرية.

وسأخرج هنا عن الموضوعية نحو الحماسة، كما خرجت الجماهير عن موضوعيتها واصطف عشاق الفريق الأرجنتيني من العرب لتشجيع الفريق السعودي، كما التف عشاق الفريق الإسباني من العرب أيضاً لتشجيع الفريق المغربي، وأقول: كم أتمنى أن تطول فعاليات كأس العالم لكرة القدم، وأن يطول بقاء الفرق العربية لتُبقي جذوة الحماس مشتعلة، وتبقي المشاعر العربية ملتهبة، ويستمر الالتفاف حول الرياضيين العرب، لأنه يعكس التفافاً سياسياً غير مسبوق.

لقد أعادت كرة القدم القضية الفلسطينية إلى الواجهة شعبياً، وحضرت فلسطين بكبريائها وشموخها في المونديال رغم عدم مشاركة فريق فلسطيني، ولم يقتصر إظهار حب فلسطين وتأييد الفلسطينيين على العرب، إنما تجاوزه لرصد تأييد واسع بين عدد كبير من المشجعين الأجانب، في مشهد يظهر الدعم الأممي للقضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في أن تكون له دولة شأنه شأن بقية شعوب العالم.

كيف يمكن الاستفادة من هذا الزخم الجماهيري الكروي السياسي في إعادة تحريك التقارب العربي العربي الحقيقي، وتعزيز السياسات العربية دعماً للقضايا العربية المصيرية، وكيف يمكن وضع سياسات جديدة واستراتيجيات جديدة وتفعيل التراكم الوطني العربي الإيجابي الذي أنجز على مدى عقود عديدة، من أجل إعادة التآزر واللحمة بين الأقطار العربية؟

لست أدري إن كانت هذه الأفكار قد دارت في أذهان السياسيين، وفرحوا -سياسياً- بالتفاف الجماهير حول قضية واحدة، ولست أدري إن كانت الفكرة قد لمعت في رأس أحدهم، ويفكّر في طرح مبادرات تجمع الجماهير لتحقيق أهداف سياسية، أم أن هذه الأفكار لا تشغل سوى الشعوب!

سينتهي المونديال قريباً إلا أن أصداءه السياسية ستبقى تتردّد لشهور وربما لسنوات، ولا نريد انتظار تنظيم كأس العالم مرة أخرى في بلد عربي آخر لنختبر الحس الوطني العربي، ونحّول الفعل الكروي إلى سياسي، وإنما نطمح إلى مبادرات جديدة تحيي العمل العربي المشترك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2je4ydur

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"