عادي
تسبب مشاعر سلبية منها النفور والاضطرابات النفسية

الواجبات المدرسية.. «خلل» في نوم الطلبة

00:02 صباحا
قراءة 6 دقائق

تحقيق: محمد الماحي
يبدأ الدوام المدرسي في السادسة صباحاً، مع انتظار الطلبة الحافلة المدرسية، وينتهي في وقت متأخر من الليل لأداء الواجبات والدراسة، يذهب الطلبة خاصة اللذين يدرسون في الحلقة الأولى للمدارس، شبه نائمين ثم يعودون مساء منهكين يئنون من أعباء محفظة تفوق أوزانهم، ثم يدخلون في استراحة قصيرة ويتناولون بسرعة وجبة خفيفة ثم ينكبون ثانية لإنجاز الواجبات التي يرسلها المعلمون ليلاً، ويتم تأخير وقت النوم لاحقاً من أجل إفساح المجال للمذاكرة.

هذه هي دورة حياة الطلبة،وهي دورة لا يمكنها إلا أن تنتج مشاكل أكاديمية وصحية بجانب الآثار الجسدية والعقلية.

يرى تربويون وأخصائيون نفسيون أن رحلة الطالب الطويلة التي تنتهي بالتضحية بالنوم لأجل الواجبات،من الممكن أن تؤثر سلباً في تحصيله العلمي، وليس ذلك فقط، بل ينهكه جسدياً ونفسياً، ويحوّل مشاعره الإيجابية تجاه مدرسته ومعلميه إلى مشاعر سلبية يسودها النفور، بالإضافة إلى الاضطرابات النفسية، وضعف التركيز.

وطالبوا بإعادة النظر في الواجبات المدرسية بشكلها الحالي، وتحقيق التوازن بين المتطلبات الأكاديمية التي يسعى الطالب إلى تحقيقها، وحياته العائلية اليومية التي تعد جزءاً أساسياً من نموه وتطوره الشخصي.

في المقابل يرى بعض المعلمين أن الواجب المدرسي ليس نوعاً من الضغط على الطلبة وإنه جهد يومي يكمل الجهد المبذول للتحصيل الدراسي.

ومن جانبها، أكدت وزارة التربية والتعليم، أن المكان الوحيد لتنفيذ الأنشطة الطلابية هو الغرف الصفية، مشددة على عدم تنفيذ أي مشروع خارج المدرسة.

ظاهرة جديدة

كثافة التكليفات المدرسية للطلبة دفع بعض أولياء الأمور إلى الاتفاق مع معلمين خصوصين، لأن الطلبة لا يستطيعون تنفيذ كل ما هو مطلوب منهم وزمنهم لا يكفي، وأحياناً يبقون حتى منتصف الليل لحل الواجبات،ويقدم معلمون خدماتهم مقابل 150 درهماً، على ألا يزيد زمن الحصة الواحدة على ساعتين.

وأبلغ آباء وأمهات لطلبة في مدارس حكومية وخاصة «الخليج»، بأنهم يستعينون بمدرسين خصوصيين لحلّ الواجبات المدرسية،حتى يحافظوا على توازن علاقاتهم الاجتماعية، ويتيحوا لأبنائهم وقتاً كافياً لممارسة هواياتهم.

وبسبب إرسال المعلمين الواجبات المدرسية في أوقات متأخرة من الليل للطلبة وحتى يتفادى الطلبة السهر في حلها بدأت ظاهرة جديدة في الانتشار تتمثل في إعلان معلمين استعدادهم لأداء الواجبات المنزلية بدلاً من الطلبة، وذلك مقابل 50 درهماً عن كل مادة.

اتجاهات حديثة

«الخليج» تناقش هذه المعاناة التي ظهرت في الآونة الأخيرة، مع مكونات الميدان التربوي التي قد تدفع الطلبة إلى نفورهم من العملية التعليمية، وتتسبب لهم بمجموعة من الآثار السلبية التي تؤثر في تكوين شخصية الطالب.

ويقول الخبير التربوي محمد راشد الحمودي: إن الواجبات المدرسية قضية جدلية، يميل معظم المربين إلى إلغائها، مؤكداً أن الاتجاهات الحديثة في التربية تشير إلى أنه لا يجوز تكليف الطالب بالواجبات، وبأن الوقت الذي يقضيه الطالب في المدرسة كاف، ووقته في البيت هو ملك له، ومن حقه أن يكون تحت تصرفه ويستمتع به،لافتاً إلى أن التضحية بالنوم لأجل الواجبات،من الممكن أن تؤثر سلباً في تحصيله العلمي وعلى الحالة النفسية والمزاجية للطالب.

وأضاف: «إن كان لا بد من الواجبات، يجب أن تكون عبارة عن أنشطة تفكير حيوية وممتعة، لافتاً إلى إن علاج هذه المشكلة لا يتمثل في تقليل المذاكرة، بل في إنشاء جدول زمني يسمح بوقت دراسة كافٍ ووقت نوم كافٍ.

مشاعره الإيجابية

أما الدكتور جلال حاتم، يرى أن التعديل الأخير بشأن الدوام المدرسي، فرض عادات جديدة للمعلمين، الذين يرسلون الواجبات المدرسية للأبناء في أوقات متأخرة ليلاً، الأمر الذي يجعل الطلبة يضحون بساعات نومهم، لأجل حل الواجبات المدرسية، وبالتأكيد لن يستفيدوا منها ولن تحقق لهم أي إضافةً أكاديمية بعد الدوام المدرسي الطويل الذي يمتد من 9 -10 ساعات يومياً.

وأشار إلى أن الطلبة اصبحوا يكرهون الواجبات، لأنها تجعلهم يقضون كل يومهم في الدراسة منذ الصباح حتى موعد نومهم، لذلك لا بد من تخفيفها،حتى لا تؤثر سلباً في تحصيله العلمي وتحوّل مشاعره الإيجابية تجاه مدرسته ومعلميه إلى مشاعر سلبية يسودها النفور.

وأضاف:«قد تكون التجربة الفنلندية في إلغاء الواجبات المدرسية هو ما دفعها لتتربع على رأس قائمة الجودة في التعليم، أما في الدولة، فمازالت الواجبات المدرسية تنقل مع الطالب إلى منزله ليقوم بحلها ومناقشتها باليوم الذي يليه.

تحقيق التوازن

ويقول الأكاديمي الدكتور خالد صقر المري، الخلاف حول جدوى الواجبات المدرسية طويل ولا ينتهي، خاصة أن الدراسات العديدة التي أجريت حول الموضوع لم تصل إلى نتيجة موحدة، إذ خلصت في النهاية إلى أن الواجبات المدرسية التي يؤديها الطلبة في المنزل قد تكون مفيدة لبعض التلاميذ ومضرة لآخرين.

وطالب بتحقيق التوازن بين المتطلبات الأكاديمية التي يسعى الطالب إلى تحقيقها، وحياته العائلية اليومية التي تعد جزءاً أساسياً من نموه وتطوره الشخصي، ويؤكد أن كراهية الطالب للواجب هي جزء من اتجاهات الطالب السلبية نحو المدرسة ككل، فحين تستغرق الواجبات ساعات لحلها من الطبيعي إن يكرهها الطالب.

وأشار إلى أن ظاهرة الواجبات المدرسية متجذرة في ثقافتنا، والمدرس يمكنه فرض كل التمارين والأعمال التي يريدها،مؤكداً ضرورة وضع حد لهذه الفكرة، لكنة عاد وأكد أن هناك مدرسين مجددين، لا يفرضون الواجب المدرسي، بل يعملون على مشاريع.

ودعا المعلمين إلى طلب واجبات منطقية تهدف إلى تثبيت التعلم وقياس الأداء الصفي للمعلم، لا إضافة العبء اليومي على الطالب، مبيناً الواجبات المنزلية التي تكون على حساب نوم الطلبة ترهقهم وتضعف ذكاءهم الاجتماعي والإبداعي.

الرقابية الأساسية

ويختلف رمضان خلاف، معلم اجتماعيات في مدارس التسامح، مع ما سبق ويقول إن الهدف الرئيس للواجبات المدرسية هي تقييم المعلم للطالب وتحديد مستواه، ومن ثم تقديم الدعم اللازم له، مع مراعاة عدم تقييده بواجبات فوق طاقته، حتى لا يضطر إلى أن يقصى وقتاً طويلاً فيها، لافتاً إلى أن الواجبات المدرسية الوسيلة الرقابية الأساسية لمراقبة الطفل من قبل والديه.

وأوضح أن الواجب المدرسي ليس نوعاً من الضغط على الطلبة، وأنه جهد يومي يكمل الجهد المبذول للتحصيل الأكاديمي وعلينا أن نساعدهم على إنجازه بشكل صحيح.

وأضاف «يكون الواجب المنزلي أكثر فاعلية عندما يسمح للطلاب بمراجعة ما تعلموه في الفصل، والمهام التي تجعلهم يعيدوا النظر في ما تم تدريسه خلال اليوم وتعزيز المعرفة المكتسبة وتزيد من احتمالية تذكر الطلاب للمعلومات الأساسية، ويمكن للواجب المنزلي بعد ذلك مساعدة الطلاب على تطبيق هذه المهارات المكتسبة على مواضيع أخرى ومواقف عملية في حياتهم اليومية».

ضغوط على الطلبة

ويقول الدكتور نواف النعيمي اختصاصي الطب النفسي، أن هناك تبعات سلبية ناجمة، وقلة ساعات النوم على صحة الطلبة، من بينها الاضطرابات النفسية، وضعف التركيز، وتدني مستويات الإنتاج والتعب والصداع، وقد تصل الأعراض إلى التأثير في صحة الطالب.

وأضاف:«من أهم تبعات السهر السلبية، انخفاض عدد الخلايا المناعية القاتلة، وانخفاض إفراز هرمون يعد أقوى مضاد للتأكسد، وبالتالي تقل كفاءة عمل هرمون النمو الذي يعمل ليلاً، ويقل إفراز هرمون مهم للتخلص من الأملاح الزائدة، كما يزداد مستوى الكورتيزول في الدم».

وتابع: هناك دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، تؤكد أن 34% من الطلبة الذكور و25% من البنات البالغة أعمارهم 11 سنة يشعرون بأن الواجبات المنزلية تمثل عبئاً عليهم، كما أن هذه الأرقام ترتفع مع التقدم في السن لتبلغ 70% لدى البنات و60% لدى الأولاد في سن الخامس عشرة، مشيراً إلى أن هذه الضغوط المسلطة على الطلبة تؤدي بحسب منظمة الصحة إلى زيادة الشعور بالضغط والتوتر العصبي، وتدفع إلى السلوكيات الخطيرة والمشاكل الصحية مثل الصداع وألم الظهر والدوران.

الاكتئاب والقلق

وتتفق الدكتورة جميلة الحساني اختصاصية الطب النفسي مع ما سبق وتضيف إليه: «إن الطلبة الذين ينامون أقل هم أكثر عرضة لزيادة الوزن هم أكثر عرضة للشعور بالاكتئاب والقلق، مشيرة إلى أن هناك أدلة قوية على أن المراهقين الذين يعانون مشاكل في النوم هم أكثر عرضة للإصابة بمشكلات الصحة العقلية والسلوكية.

وأضافت:«هناك مجموعة من الآثار السلبية، بسبب تأخر نوم الطلبة منها الشعور بالإرهاق الجسماني والعصبي الدائم، وضعف درجة الانتباه والتركيز، وشعورهم المستمر بالملل والإحباط،وفقد القدرة على التفكير الإبداعي والابتكاري، إضافة إلى ضعف الذكاء الاجتماعي والذكاء الأكاديمي، ما يترتب عنه انخفاض مستوى التحصيل الدراسى».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2f4vxhkj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"