عادي

لبنان في مرحلة اختبار القوة

14:49 مساء
قراءة 5 دقائق
قبل أقل من 4 ساعات على صدور نتائج الاجتماع الأخير لمجلس وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة الأحد الماضي، والذي جدّد مهمة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الرامية إلى انضاج تسوية وضع خطوطها العامة العريضة النظام الرسمي العربي على مضض، كانت الضاحية الجنوبية لبيروت تشهد انفلاتاً أمنياً واسعاً ينجلي دخانه بعد فترة قصيرة عن مجزرة سقط ضحيتها 6 قتلى وعشرات الجرحى، تلاه اشكالات امنية واسعة في بيروت والجنوب والبقاع كادت تتطور إلى الأسوأ لولا ضغوط مكثفة بذلها رئيس مجلس النواب نبيه بري افضت إلى ضبط الموقف وخفض منسوب التوتر على امل ان يأخذ التحقيق القضائي مجراه للكشف عن الجهات الفاعلة والمتورطة.بين حدث القاهرة وحدث الضاحية الجنوبية علاقة جدلية، فهما يختصران بنظر الضالعين بالشأن اللبناني المشهد السياسي والأمني اللبناني في الأيام القليلة المقبلة وما يعتمل في عمق هذا المشهد من ثنائيات متناقضة، فإما ان تأخذ المبادرة العربية الرامية إلى حل الأزمة اللبنانية، مداها وتصل إلى خواتيمها المرتقبة، واما فإن الفراغ المنظم الذي تواطأ عليه افرقاء النزاع في لبنان، بعد اطفاء أنوار القصر الرئاسي في بعبدا اثر خلوه من أي سكان في اعقاب خروج الرئيس السابق العماد اميل لحود منه، آيل إلى التحول إلى فوضى منظمة لاحت تباشيرها وبرزت مقدماتها الجلية في ما صار يعرف بأحداث مار مخايل في حاضرة الضاحية الجنوبية. في الصالونات والكواليس السياسية في بيروت يدور كلام صريح فحواه ان الاجتماع الوزاري العربي الأخير المتصل بالشأن اللبناني اصر على ابقاء المبادرة العربية حية، ولكنه ترك لب المشكلة، أي مسألة الخلاف على التركيبة المقبلة للحكومة العتيدة بلا حل واضح، فيما كان يُنتظر من هذا الاجتماع ان يحسم هذه النقطة بالذات ويجد التفسير الموحد لها انطلاقاً من ثابتة مفادها ان التباين بين طرفي المعارضة والموالاة حول هذا البند وتمسك كل منهما بتفسيره الخاص لها هو الذي اودى بمهمة موسى في المرة الأولى إلى النهاية غير السعيدة وجعله يعود إلى مركز عمله على ضفاف النيل في القاهرة وهو يداري اخفاقاً ببعض المصطلحات الدبلوماسية التي بات يتقنها ويجيد اطلاقها في اللحظة المناسبة بفعل طول تعامله مع الأزمة اللبنانية وسواها من الأزمات العربية الداخلية المتناسلة من رحم العجز العربي. وفي كل الأحوال كان لا بد للنظام الرسمي العربي ان يجدد مساعيه لاظهار حضوره الدائم في الأزمة اللبنانية لأنه صار يقيم على قناعة تامة مفادها ان الغياب أو التجاهل العربي لهذه الأزمة صار مكلفاً للغاية للبنان ولكل العرب. فبديل الغياب معناه انفتاح الأبواب امام طرفي النزاع في لبنان للولوج إلى مراحل تصعيدية باتا مضطرين لولوجها لاعتبارات وأسباب تتصل بمستقبل حضورهما على الساحة السياسية ودورهما في المعادلة اللبنانية. فلم يعد خافياً في بيروت ان المعارضة انتقلت في الآونة الأخيرة إلى المجاهرة بالقول ان توقف المبادرات الآتية من تحت عنوان إنضاج تسوية للأزمة التي دخلت عامها الثاني على التوالي، يعني بالنسبة لها، الانتقال إلى مرحلة رفع منسوب ووتيرة التصعيد المختلف الأوجه والأشكال إلى حدود غير مسبوقة. وليس جديداً القول ان المعارضة قدمت براهين ملموسة وأدلة عملية ومحسوسة على جدية مضيها قدماً في هذا الاتجاه عندما نظمت النقابات والهيئات العمالية الدائرة في فلكها، قبل فترة تحركاً في معظم المناطق اللبنانية. وهو ان لم يكن واسع النطاق والتأثير إلا انه بعث الريبة والهواجس في نفوس فريق الموالاة. ولقد كانت أحداث الضاحية الجنوبية الأخيرة وما تخللها من عملية سقوط ضحايا دلائل اضافية على رغبة الفريقين في رفع وتيرة التصعيد والضغط واثبات الوجود وعرض القوة. ولم يعد خافياً ايضاً ان الخطاب السياسي لفريق الموالاة بكل تلاوينه حفل في الآونة الأخيرة بمصطلحات وتعابير تحمل في طياتها دلالة أساسية وهي ان هذا الفريق لم يعد في وارد ان يقدم نفسه بموقع الضحية والمُعتدى عليه من قبل فريق انقلابي (تمثله المعارضة) بل انه صار في مرحلة ابراز العين الحمراء للخصم وانه بات مستعداً للنزول في اختبار القوة مع المعارضين. والواضح ان الموالاة تريد من خلال هذا الخطاب الذي اقترن بجملة قرائن مادية وحسية ميدانية أن يستبطن رداً على جملة تحليلات ومقولات برزت حتى في صحف الموالاة ووسائلها الاعلامية وعلى لسان منظريها، فحواها ان موازين القوى الأمنية في طول لبنان وعرضه راجحة لصالح المعارضة، وان هذا الواقع يعكس نفسه حتماً في معادلة سياسية تفرض على فريق الموالاة ان يتنازل اكثر إلى حد الاستسلام مستقبلاً وخصوصاً بعدما قدم جملة تنازلات عن أوراق سياسية كانت بحوزته وكانت واحدة من عوامل القوة لديه. ويمتد حبل التشاؤم والتحليل المبني على الاحتمالات البالغة السوء إلى حد ابعد في عمق المشهد اللبناني إذ أن ثمة من يعتبر أن اطلاق الجيش اللبناني النار على متظاهرين محسوبين على جزء اساسي من المعارضة (أي حركة امل وحزب الله) معناه الضمني ادخال هذه المؤسسة في عمق الصراع الداخلي وبالتالي توجه ضربة كبرى لصدقية قائدها المرشح للرئاسة الأولى كمرشح تسوية بمباركة عربية بعدما عجزت الموالاة عن ايصال واحد من مرشحيها المعلنين أو المضمرين لهذا المنصب مع انها تمتلك ورقة الأكثرية النيابية الضئيلة وبالتالي افقاد هذه المؤسسة صفة الحيادية والتماسك والوقوف في منتصف المسافة بين الفريقين وهو واقع يذكر بطبيعة الحال بالظروف والمناخات التي رافقت اشتعال شرارة الحرب الأهلية اللبنانية المديدة في عام .1975 فتكرار مثل هذه الأدوار للجيش اللبناني، ولو بحد أدنى مما حصل معناه التمهيد الحتمي لانقسام هذا الجيش الذي يعكس في صفوفه التركيبة الطائفية والمذهبية والسياسية اللبنانية. وعلى رغم ان بيروت بموالاتها ومعارضتها تقيم على شبه يقين من ان المناخات السياسية والأمنية التي من شأنها ان تدفع بالتناقضات الحاصلة إلى الانفجار الواسع، ليست جاهزة تمام الجهوزية فإنه لا بد لأي مراقب عن كثب لجوهر الأوضاع ولخفايا الصراعات السياسية، الا ان يخرج بنتيجة مفادها ان السجالات السياسية التي يتقاذفها رموز كلا الطرفين تحمل في طياتها وثناياها رغبة في الجنوح نحو التصعيد ونزوعاً إلى اختبار القوة أو على الأقل استعراض العضلات خصوصاً وان المؤسسة العسكرية التي ظلّت طوال الفترة الماضية السلم الأهلي، وكانت سقف الأمان، أصيبت بالضرر الفادح بعد احداث الضاحية الجنوبية الدامية الأخيرة. يضاف إلى ذلك ان فريقي النزاع في لبنان، تعاملا مع المقررات الأخيرة لمجلس وزراء الخارجية العرب بنوع من الاستخفاف والقول بأنها قرارات لا تؤدي إلى الحل الحاسم بقدر ما تملأ فراغاً صار مؤذياً وتقطع وقتاً صار ثقيلاً. ومع ذلك المشهد المغرق في السوداوية يبقى الأمل الوحيد في قدرة موسى على اجتراح حل يكون من خارج توقعات كلا الفريقين.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"