روسيا وتحجيم إيران

04:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو

تبدو العلاقة الروسية الإيرانية ملتبسة في السنوات الأخيرة، فمن جهة ثمة تعاون واضح في الملف السوري، خصوصاً عبر مسار أستانة، بالإضافة إلى تنسيق العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلّحة، ومن جهة أخرى، تسمح روسيا، وهي المهيمنة على جزء واسع من السماء السورية بأن تقوم «إسرائيل» بضرب مواقع تابعة للقيادة العسكرية الإيرانية، وليس فقط لمنشآت تديرها إيران، كما في استهداف مقرّ القيادة الإيرانية في محيط مطار دمشق الدولي، وهو ما حدث وتكرّر مرات عديدة.
منذ بداية الصراع المسلّح في سوريا، وتحولّه إلى مسار عسكري واضح، بعد يونيو/ حزيران 2012، انخرطت إيران وحلفاؤها بشكل مباشر في الميدان العسكري إلى جانب قوات النظام، لكنها لم تتمكن من إحداث فارق كبير في الصراع العسكري، وقد خسر النظام، بين عامي 2012 و2015 جزءاً كبيراً من الجغرافيا السورية.
التدخل العسكري الروسي، في الربع الأخير من عام 2015، أوقف تقدّم الجماعات المسلّحة في حلب، وقلب موازين القوى بشكل كبير وواضح، وتحوّلت روسيا إلى اللاعب الرئيس في القرار العسكري داخل الميدان السوري، كما تمكّنت روسيا عبر اتفاقية خفض التصعيد، ومسار أستانة، من جعل نفسها المرجعية ألأولى في قرار الحل السياسي للمسألة السورية، وهو ما جعل الدور الإيراني في سوريا يغدو ضئيلاً قياساً بالدور الروسي، على الرغم من كل الإمكانات العسكرية والمالية التي استثمرتها إيران في الملف السوري، فقد أمدّت إيران الحكومة السورية بخطين ائتمانيين، الأول بقيمة مليار دولار في عام 2013، والثاني بقيمة 3.6 مليار دولار في عام 2017.
مصالح روسيا في منطقة الشرق الأوسط تتجاوز الحسابات الإيرانية، وهي تتقاطع مصلحياً مع عدد من دول المنطقة، كما أنها لا تتناقض مع المصالح الأمريكية، بل إن من مصلحة روسيا تقليص حجم النفوذ الإيراني، فهذا الأمر سيسهم، من وجهة نظر روسيا، في تمكين روسيا كلاعب رئيس في ملفّات المنطقة، وليس فقط في سوريا.
العلاقات الروسية الإيرانية قديماً وحديثاً تتضمن سجلاً حافلاً بتناقضات المصالح، فعلى الرغم من توقيع روسيا في عام 1995 اتفاقية مع الحكومة الإيرانية، تقوم بموجبها شركة روسية مختصّة بمهام «تهيئة وتجهيز مفاعل نووي إيراني وتزويده بالوقود النووي وتأهيل الكادر الإيراني»، مقابل ملياري دولار، إلا أن روسيا تراجعت عن الاتفاقية، بعد ضغوط أمريكية، حيث وقّعت روسيا اتفاقية سرية آنذاك مع الجانب الأمريكي، وهي اتفاقية تشيرنميردن-جور، والتي وقعها كل من رئيس الوزراء الروسي آنذاك فيكتور تشيرنميردن، ونائب الرئيس الأمريكي آل جور، التزمت روسيا من خلال تلك الاتفاقية بوقف «التعاون العسكري والتعاون في مجال الطاقة النووية» مع إيران.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، حاولت إيران ملء الفراغ الروسي في الدول الإسلامية التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق (كازاخستان، أوزبكستان، تركمانستان، قرغيزستان، طاجكستان)، وتمكنت بالفعل من مدّ نفوذ واسع داخل تلك الدول، وإبرام اتفاقيات تعاون اقتصادي، لكن المساعي الإيرانية، كانت ولا تزال تصطدم بممانعة روسية وغربية قوية، وهو ما يجعل من مصلحة روسيا أن تتداعى الطموحات الإيرانية خارج حدود إيران، ما يجعل نفوذها يتقلّص في منطقة القوقاز، خصوصاً بما يتعلق بأنابيب الغاز.
ما حاولت إيران تظهيره في مناسبات عدة، خلال السنوات القليلة السابقة، على أنه تحالف استراتيجي مع روسيا، هو في حقيقة الأمر ليس إلا تعاوناً في ملفات محددة، وهو تعاون لا يلغي التنافس، كما أنه لا يمكن أن يتناقض مع طموحات ومصالح موسكو، كما أن موسكو، في نهاية المطاف، تدرك أن مصالحها الكبيرة هي في الوصول إلى تفاهمات مع أمريكا، بوصفها اللاعب الأهم عالمياً.
إن تحجيم إيران، والضغط عليها لمراجعة برنامجها النووي، أو برنامج الصواريخ الباليستية، وموقفها في دول المشرق العربي، أو في مضيق هرمز، تتوافق عليه مصالح عدد من الدول، بما فيها روسيا، وهو ما قد يعني في المرحلة المقبلة زيادة التعاون الروسي مع مختلف الأطراف للضغط على إيران، فكلما تقلّصت حصّة اللاعبين الأقل شأناً زادت حصّة الكبار.
إن معظم الملفّات التي كانت محطّ تعاون بين موسكو وطهران خلال العقدين الأخيرين لم تشهد تقدّماً عملياً كبيراً، وبقيت دون المأمول منها إيرانياً وروسياً، بما فيها ملف العلاقات الاقتصادية والتجارية، والتي بقيت فيها الكثير من الصفقات من دون تنفيذ، فروسيا فعلياً لا ترغب بإيران قوية، فهي بالنسبة لها منافس جيواستراتيجي، قد تحرص على عدم حدوث فوضى عارمة في نظامه، لكنها بالتأكيد تريده منافساً ضعيفاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"