عادي
أفق

الأدب الهامشي

01:23 صباحا
قراءة دقيقتين

في استعراض توثيقي لأدب الهامش عربياً وحتى عالمياً يمكن الخروج بحصيلة كبيرة من النماذج الإبداعية في القصة والرواية والشعر، التي أثبتت قدرة فائقة على التميز والمنافسة . والهامش هو ببساطة كل من خرج من إطار المؤسسة، أياً كان نوع هذه المؤسسة، سواء كانت ثقافية أو مجتمعية، أو حتى منضوية في خانة الروابط والاتحادات والمنظمات الكثيرة المترامية الأطراف .

عربياً، شكلت ظاهرة الشعراء الصعاليك أنموذجاً يمكن التمثيل من خلاله على فرادة التجربة الخاصة لهذه المجموعة، التي درسها النقاد والمختصون، فأبرزوا للخصائص الجمالية والثقافية لأفرادها .

لقد جلّى النقد الحديث رؤى أدبية استشرافية للعديد من الأسماء، التي كانت مغمورة في زمنها، فجاء الدارسون واختبروا متانتها الفكرية والجمالية، التي ما زالت حتى الآن موضع مقارنة للتدليل على التميز والريادة .

في الزمن الراهن شكلت ظاهرة الكتّاب المهاجرين إلى أوروبا أنموذجاً للتدليل على هذا النوع من الأدب، ففي فرنسا احتلت قائمة من الأسماء المعروفة الآن واجهة الأدب العالمي، ومن هؤلاء من ترجموا إلى لغات عالمية ونافسوا على جوائز أدبية، وما محمد شكري والطاهر وطار إلا أنموذجان لقائمة أوسع من المبدعين المنتشرين في أرجاء الكرة الأرضية، ومثلوا استشرافاً كونياً يؤكد على رهافة الحلم الإنساني وتجاوزه للحدود والقارات .

قبل أكثر من عام أقيمت ندوة نظمها قسم الفلسفة والآداب في الجامعة الحرة ببروكسل بعنوان على هامش الأدب العربي المعاصر، وشارك فيها عدد كبير من الأكاديميين والباحثين، وكان السؤال الكبير في هذه الندوة هو استشراف واقع الهامش الأدبي، الذي جاء في سياق تعريفه أنه يعزز الطبيعة المتعددة والكوزموبوليتية لمدينة بروكسيل، والتنويع الهائل في الثقافات التي باتت تعرفها هذه المدينة .

لقد قال منظم الندوة المستعرب اكزافيي لوفان، وهو من الجامعة الحرة، إن الزخم الذي بدأت تعرفه منذ سنوات الثقافة العربية وتعبيراتها في بلجيكا عموماً، وبروكسيل خصوصاً، كان محفزاً للتفكير في هذا اللقاء الثقافي والعلمي .

في ثقافتنا العربية المعاصرة، التي تشهد وفرة في الكتّاب والمبدعين، الذين تواروا عن الإعلام، إما لأسباب خاصة تتعلق برهافة حسهم، وإما بسبب لفظهم من دوائر صنع القرار الثقافي في بلدانهم، لأسباب يعرفها كل من يتعاطى في الشأن الأدبي العربي، فإن الإنصاف يستدعي أن تتدخل المؤسسات الثقافية نفسها، والتي يديرها نخبة من الكتّاب العرب المعروفين، انطلاقاً من مبدأ الرفقة الثقافية والهم الإبداعي المشترك، ليسهموا في إبراز هؤلاء، بعيداً عن سطوة ووجاهة المنصب، وانطلاقاً من الشفافية نفسها، الشفافية التي لا تقبل القسمة على اثنين .

إن اختبار هذه الحساسية، في الواقع الثقافي الراهن، هو بمثابة مهمة شاقة، لكنها تستحق المغامرة لتصحيح المسار الإبداعي، الذي لا يزال أسير مفاهيم المؤسسة، التي هي بحاجة إلى تغيير قاموسها الإداري، خصوصاً في ظل الشرذمة الأدبية العربية، التي يعوزها خطاب ثقافي مشترك يردم الهوة بين منتجي الثقافة في الوطن العربي الواحد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"