عن مذبحة نيوزيلندا

03:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
د.عبدالعزيز المقالح

ما حدث في نيوزيلندا -منذ أيام- يفضح بجلاء موقف الغرب المتحضّر الديمقراطي من رعاية الإرهاب والتحريض على كراهية الآخر، وهو يذكِّر الأمة العربية والإسلامية بما حدث في الحرم الإبراهيمي في فبراير 1994م عندما اقتحم الإرهابي الصهيوني جولدشتاين الجامع وأطلق الرصاص على المصلين وهم يؤدون صلاة الفجر ليوم من أيام شهر الصوم المبارك.
وقد حدث ذلك تحت حراسة أو بالأصح حماية من جنود جيش الاحتلال الذين كانوا يرابطون بالقرب من الجامع، لقد قتل رصاص ذلك المجرم وجرح العشرات وفر هارباً، وكانت تلك هي حال الإرهابي الذي اقتحم جامعين في وقت واحد وقتل وجرح العشرات وفر هارباً تحت غطاء حماية ظاهرة أو خفية أثبت أن الإرهاب بصورته المتوحشة ليس عربياً ولا إسلامياً بل غربياً بامتياز.
ويبدو مما حدث في هولندا بعد أيام من حادث نيوزيلندا المروّع أن وتيرة الإرهاب في أوروبا في تصاعد وأن التقنية الإجرامية التي تتولى القيام بها علناً بعض المؤسسات وبعض أجهزة الإعلام قد نجحت في أداء دورها الظلامي، وفي زرع الخوف في نفوس المهاجرين من الأقطار العربية والإسلامية، في حديث على الهاتف مع أحدهم يجعلنا نشعر بمدى المعاناة التي يعانيها الإنسان غير الأوروبي في شعوب تدعي التحضر وتسعى إلى تحقيق العدالة والحرية والتعايش بين جميع الأجناس.
ونتوقف هنا لكي نؤكد الحقيقة التي تقول إن الإرهاب لا لون ولا جنس ولا عقيدة له إلاَّ أن مراكز صناعته وتصديره لم تعد خافية ،وأن ما يحدث في بعض الأقطار العربية والإسلامية ليس إلاَّ ردود أفعال للفعل الأول أو أنه قد يكون مصدراً من مركز صناعته الأساس.
وإذا كانت بعض أجهزة الإعلام الغربي قد برعت في التباكي على ضحايا الجامعين في المدينة النيوزيلندية، فإن ذلك النوع من التباكي لن يخدع سوى بعض فاقدي العقول ممن لا يدركون أبعاد السياسات الاستعمارية التقليدية منها والحديثة والهادفة إلى تدمير التعايش السلمي بين الشعوب، ونشر الرعب في أوساط الناس الآمنين لتتمكن تلك السياسات من تحقيق ما تهدف إليه من نفوذ وبسط الهيمنة إلى أبعد نطاق ممكن.
فضلاً عن مقدرتها على تطبيق ما يذهب إليه المثل العربي الأشهر وهو «رمتني بدائها وانسلت» فالعرب والمسلمون هم الإرهابيون وصنّاعه والذين يمارسونه في الأماكن المقدسة بلا تحفظ ولا مبالاة. وكل الأدلة التي توفرت حتى الآن عن مذبحة نيوزيلندا تشير إلى تواطؤ واسع مكن الإرهابي من أن يضرب ضربته الخبيثة في مكانين متباعدين دون مساعدة.
لقد هزت المذبحة كيان الوطن العربي والعالم الإسلامي، كما أدمت قلوب الملايين من أنحاء كثيرة من العالم، وخوفاً من أن تتكرر بدأت الأقليات الإسلامية في أوروبا تدعو إلى إيجاد حراسات من المسلمين لحماية المصلين في جميع الأوقات وعدم الاطمئنان إلى حماية الدول الحاكمة التي تخلت عن مسؤوليتها وتركت الأبواب مفتوحة للذبح والاعتداءات، وهو أمر محزن أن تتخلى دولة ما عن رقابة من أصبحوا مواطنيها بحكم الإقامة من ناحية والتجنس من ناحية ثانية، وما يستفز المشاعر ويبعث على اليأس في التصدي الأخلاقي لكراهية الآخر وعدم الإيمان بالتعايش، أن تحدث المذبحة في بلد كان آخر ما يمكن التصور بأن يغدو مسرحاً لجريمة شنعاء كهذه الجريمة، إذ إن نيوزيلندا تقع في منطقة نائية جغرافياً وثقافياً عما يتم في الأقطار الأوروبية ذات التجارب الاستعمارية المؤلمة، والتي تروج فيها شتى الاتجاهات المعادية للآخر، وحيث تتكون في بعضها قوى وجماعات عنصرية تنطلق من أحقاد موروثة ومكتسبة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"