مشهد سياسي جديد في لبنان

01:54 صباحا
قراءة 3 دقائق
إلياس سحّاب

لا شك في أن المسرح السياسي في لبنان بدأ يشهد منذ العدوان «الإسرائيلي» الذي أدى إلى خروج مقاتلي المنظمات الفلسطينية في لبنان، ونهاية مرحلة النفوذ الفلسطيني المباشر في الشأن اللبناني الداخلي، في عام 1982، تحولات كثيرة كان أولها بدء مرحلة النفوذ السوري المباشر في السياسة اللبنانية الداخلية لملء الفراغ الذي خلفه الوجود الفلسطيني، وكانت كل هذه التحولات تتم طبعاً وفقاً لمخططات دولية وإقليمية.
ثم كانت المرحلة التالية خروج القوات السورية وإنهاء عصر التأثير السوري المباشر في الحياة السياسية اللبنانية، وذلك إثر اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، فولدت مرحلة مترجرجة بين اتفاقيتي الطائف، ثم الدوحة، انقسمت فيها كافة القوى السياسية اللبنانية إلى مجموعتين: 8 آذار، و14 آذار، وذلك انطلاقاً من خلاف أساسي جوهري، بين فئتين، واحدة تحمّل النفوذ السوري في لبنان مسؤولية اغتيال الحريري، والثانية ترفض هذا الاتهام.
في البداية كان طبيعياً أن ينضم التيار الوطني الحر الذي يترأسه العماد ميشال عون، إلى جماعة 14 آذار المعادية لسوريا، كونه التكتل الأكثر اندفاعاً في مقاومة النفوذ السوري في لبنان، عند وجود قواتها المسلحة فيه.
لكن ما لبثت التطورات السياسية أن فرقت بين التيار الوطني الحر، وبقية جماعة 14 آذار، ذلك أن التيار كان معادياً فقط للوجود السوري المسلح في لبنان، بدليل أن رئيسه العماد عون طالما صرح منذ تلك الأيام الأولى، أن ليس بينه وبين سوريا من مشكلة سياسية سوى وجودها المسلح في لبنان، وأنه بعد إزالة هذا الوجود، يمكن إقامة علاقات طبيعية بين سوريا ولبنان، كبلدين متجاورين شقيقين.
هذا الواقع أدى إلى خروج التيار الوطني الحر من جماعة 14 آذار، حتى أصبح أقرب إلى جماعة 8 آذار.
بعد ذلك، عصفت بالمنطقة العربية سلسلة من التحولات في كل من سوريا والعراق بشكل خاص، انعكست بشكل تلقائي على العلاقات الإقليمية لكل من مجموعتي 8 آذار و14 آذار. حتى أصبحت الأوضاع السياسية في لبنان، أسيرة انعكاسات هذه التحالفات الإقليمية وتلك.
غير أن مثل هذه التحولات الإقليمية العربية العاصفة لم تكن أحداثاً ساكنة ثابتة، بل شهدت كثيراً من محطات الصعود والهبوط، الأمر الذي وصل بالسياسة اللبنانية الداخلية في عام 2016، إلى أن ينقسم اثنان من أقطاب 14 آذار (القوات اللبنانية، وتيار المستقبل)، بين تأييد مرشحين لملء فراغ رئاسة الجمهورية اللبنانية، وكان المرشحان من أقطاب كتلة 8 آذار: سليمان فرنجية، وميشال عون.
بعد ذلك، جاءت تطورات الأحداث الإقليمية، وآثارها المباشرة في لبنان، لتبدأ المرحلة المفاجئة، بانضمام الرئيس سعد الحريري (رئيس كتلة المستقبل) إلى الدكتور سمير جعجع (رئيس القوات اللبنانية)، في الالتقاء على تأييد مرشح واحد هو العماد ميشال عون.
لكن تلك لم تكن آخر المفاجآت، إذ أنه عندما جاءت ساعة انتخاب الرئيس اللبناني، كان قطبا 14 آذار سابقاً (الحريري وجعجع) ينتخبان العماد ميشال عون للرئاسة، بينما كان الرئيس نبيه بري (من أقطاب 8 آذار) وكتلته يضعون أوراقاً بيضاء.
وهكذا ولد العهد الجديد في لبنان، بعد أن عصف عصفاً تاماً بجماعتي 8 و14 آذار، حتى لم يعد لهذين التجمعين سوى ذكريات الماضي، واختلطت أوراق رؤساء الكتل السياسية اللبنانية، حتى أصبحت تشكل حالة عائمة، لا يمكن لأحد أن يتنبأ اليوم بالأشكال النهائية التي سترسو عليها.
لقد جاء انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للبنان بمرحلة لبنانية جديدة فهو لم يأت لنا برئيس جديد فقط، بل سيرسم لنا في المستقبل القريب، خريطة جديدة تماماً، للمشهد السياسي العام في لبنان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"