الوضع الفلسطيني قابل للانفجار

03:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

كان التغيير الوزاري في الحكومة الفلسطينية ملحاً منذ فترة، بعد تراكم العديد من القضايا الداخلية في وجه حكومة الوفاق التي يترأسها الدكتور رامي الحمد الله،الذي قدم استقالته أمس ووضعها في عهدة الرئيس محمود عباس، وهي حكومة شكلت بمشاركة من «حماس» على أمل أن تكون أداة منفذة لاتفاق المصالحة لسنة 2011، لكن استعصاء المصالحة على الرغم من التدخل المصري بالتوصل إلى اتفاق 2017، الذي لم ينفذ أيضاً، جعل الحكومة الحالية خارج التوافق وخارج الإجماع الشعبي؛ نظراً لتراكم ظواهر سلبية عديدة في عهدها، آخرها «الهبة الشعبية» أو ما سمي بالحراك ضد قانون الضمان الاجتماعي الذي بدأت الحكومة في تنفيذه من دون الأخذ بالتعديلات التي يطالب بها الحراك، ما أسفر عن اعتصامات وإضرابات جذبت عشرات الألوف من المواطنين في أكبر تظاهرات غير سياسية تشهدها الأراضي الفلسطينية، بشأن قضية اجتماعية. وتفاقم الوضع عندما تعهد كبار رجالات عشائر الخليل بإفشال القانون وعارضوه بقوة، علماً بأن مدينة الخليل هي الأكبر اقتصادياً وتتحكم في النسبة الكبرى من الاقتصاد الفلسطيني، وفيها أهم المشاغل والمصانع.
وزاد الأمر سوءاً تفوّه وزير الحكم المحلي ضد الحراك في الخليل، ووصف القائمين عليه بأنهم من مستوطنة كريات أربع، ما أدى إلى مطالبة عشائرية بإقالة الوزير كرد اعتبار أولي لأهالي الخليل، على الرغم من اعتذار الوزير وتأكيده أنه كان يقصد شخصاً معيناً، وليس الكل.
حكومة رامي الحمد الله ظلت لسنوات في الحكم، ولم تستطع تنفيذ الوفاق الذي شكلت على أساسه، وكان آخر مسمار في نعشها محاولة تفجير موكب رئيسها على مشارف غزة، وبالتالي تم إغلاق ملف المصالحة بالكامل، وسط مطالبات من حركة «فتح» بضرورة تولي فتح الحكومة بالكامل أو بمشاركة فصائل منظمة التحرير؛ لأن الإخفاقات الحكومية تسجل ضد فتح وأي إنجاز لا يحسب لها.
وبالتالي عارضت كوادر فتح قانون الضمان بقوة، خاصة في المجلس الثوري الذي طالب بتعديله من دون جدوى، ما جعل المجلس الثوري يشعر بأنه مجلس بلا سلطة داخلية، وأن توصياته بتعديل القانون لم تُنفذ، وأن القاعدة الشعبية تلوم فتح على تقاعسها؛ إذ إن رئيس الوزراء وهو ليس من فتح بات أقوى من اللجنة المركزية، كما أن مستشاراً دينياً من خارج فتح هو محمود الهباش، بات يصرح باسم فتح، وله نفوذ في الرئاسة أكبر من قادة فتح.
ولهذا ضغط بعض قادة «فتح» لإجراء تغيير وزاري، لكن تزاحم الأسماء التواقة لتولي رئاسة الحكومة في فتح يجعل الأمر صعباً، حيث طرحت أسماء أو طرحت نفسها مثل الدكتور صائب عريقات، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وحسين الشيخ عضو مركزية «فتح» الذي يتولى وزارة الشؤون المدنية التي تعنى بالعلاقات مع الاحتلال، والدكتور محمد اشتية الأكاديمي الذي يتولى «صندوق بكدار للإعمار»، وهو مؤسسة رسمية.
وفي ظل هذا التنافس يبدو الخيار صعباً، حيث لا يوجد إجماع حول من سيشكل الحكومة المقبلة، وقد يلجأ الرئيس الفلسطيني إلى إعادة تكليف الحمد الله مما سيخلق أزمة داخلية أكبر، حيث إن رئيس الوزراء الحالي ظل يقوم بعمله السابق كرئيس لجامعة النجاح إلى جانب رئاسة الحكومة.
وفي السنوات الأخيرة زاد الترهل في الأداء الحكومي الداخلي، وتفاقم الوضع الاقتصادي وانكمش الدعم الخارجي المالي من الدول العربية والأوروبية، وانقطع الدعم الأمريكي بالكامل، وهو الأكبر وكان يبلغ 800 مليون دولار سنوياً، كما تراجع الدعم السياسي الدولي للقضية الفلسطينية. كما أننا نشهد انتعاشاً في الاختراق «الإسرائيلي» للعالمين العربي والإسلامي، من دون أن تتمكن السلطة الفلسطينية من لجم هذا الاختراق، أو أن تنبس ببنت شفة ضد المطبعين.
وعلى الجانب الآخر، هناك وضع أسوأ في غزة، حيث تلاشى أمل المصالحة الذي من شأنه حل أزمات غزة الحياتية، وكذلك لم تنفع المنحة المالية القطرية في إنعاش غزة، حيث توقفت بسبب الإملاءات الاحتلالية المذلة على «حماس»؛ أي تقديم كشف مسبق بالمستفيدين منها، مع بصمات وصور بطاقات الهوية لمن يستلم مبلغاً، مما جعل «حماس» ترفض المنحة القطرية مع أنها جاءت أصلاً بطلب من جاريد كوشنر ونتنياهو شخصياً.
وبناء على هذا الوضع، يمكن توقع انفجار اجتماعي وأمني في غزة، ومثله في الضفة، إن لم يحدث تغيير وزاري حقيقي وإجراء انتخابات قريباً، مع تزايد عنف المستوطنين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"