عادي
«فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ»

معاذ الله

23:43 مساء
قراءة 3 دقائق
1

د. سالم الشويهي

بعد أن ارتكب إخوة يوسف جريمتهم: «وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ» جاوا في الظلام لكي لا يُرى الكذب في عيونهم وقسمات وجوههم وفي الأثر: «مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إلَّا أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ»، فيعرف الصادق من الكاذب من عينيه.

وأتوا له بالدليل على زعمهم «وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ»، لطخوا قميصه بالدماء ونسوا أن يشقوا القميص، وهذه تُسمى بالجريمة الناقصة، فكل مجرم لابد وأن يترك شيئاً يفضح جريمته. والعرب تقول «كاد المريب يقول: خذوني».

ومن العبارة الشائعة والتي أصبحت مثلاً أن يٌقال عند إرادة تبرئة إنسان: (بريء براءة الذئب من دم يوسف).

لما رأى يعقوب القميص سليماً لم يُشق عَرف أنهم يكذبون ولذا قال لهم:«بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ». وبعد أن بدا كذبهم وبان حسدهم وفي سخط والدهم يصبحون ويمسون، وصل يوسف الذي كادوا له بحفظ الله ورعايته إلى قصر العزيز مكرّماً معززاً «وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ». وهذا يعلمنا أن لا نقلق من تدابير البشر فأقصى ما يستطيعون فعله هو تنفيذ إرادة الله.

وبعد أن نجى الله يوسف من كيد إخوته يأتيه ابتلاء أشد وأنكأ من امرأة العزيز «وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ». وتأمل في حال يوسف، عليه السلام، الشاب العزب الغريب الأعزل الذي أوتي من البهاء والحسن والجمال ما يفوق الخيال؛ تراوده أميرة القصر وهي ذات منصب وجمال، وتبذل كلَّ ما عندها لإغرائه. أسرعت إلى أبوابها فغلقتها، وإلى ثيابها فجملتها وطيبتها، وإلى فرشها فزينتها، ثم قالت في تغنج ودلال:«هَيْتَ لَكَ».

هذه الدواعي كلها يتساقط بواحد منها غالب الشباب في حمأ الرذيلة، فكيف باجتماعها كما في حالة يوسف مع امرأة العزيز؟

ليس هناك امتحان، أشد من امتحان يتغلب فيه المرء على صبوته وشهوته، وهذا ما حصل ليوسف «قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ».

قد يتكرر علينا هذا المشهد ونحن أمام الشاشات وفي الخلوات وإغراء الشيطان والنزوات ولكن القوي الصارم أمام مغريات الحياة وفتن الزمان الذي يقول:«معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي».

وأعلم أنها قد تتكرر العروض عليك «وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ». وتيقن أن الله سيعوضك خيراً من المعصية وذلها عزاً ورفعة ودرجات في الدنيا والآخرة، وتذكر جيداً قول مولاك «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ».

قال مجاهد رحمه الله: «هو الرجل يخلو بمعصية الله فيذكر مقام الله فيدعها فرقا من الله».

إذا ما خلوت بريبة في ظلمة... والنفس داعية إلى الطغيان

فاستح من نظر الإله وقل لها... إن الذي خلق الظلام يراني

وتأمل في حديث السَبْعَة الذين يُظِلهُمُ الله يوم القيامة في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ وذكر منهم: «ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إنِّي أَخَافُ الله».

إن مطارق الخوف من الله ومراقبته، تعينه على أن يرى برهان ربه وأن يسطع نور الهداية في فؤاده، يَذكر أحد الشباب أنه خلا بامرأة لمقارفة الفاحشة فتذكر قول الله تعالى: «مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا» فخرج عنها قال: «حفظني الله من الفاحشة بهذه الآية»! «فاحفظ الله يحفظك»، و«كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ». حفظ الله يوسف عليه السلام لعفته وإخلاصه، نسأل الله الإخلاص والتقى والعفاف وأن يعصمنا من الزلل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4wajns6h

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"