لا ثقة بالاحتياطي الفيدرالي

22:19 مساء
قراءة 4 دقائق

جوزيف ستيغليتز *

رغم محاولات مسؤولي الفيدرالي المستمرة طمأنة الرأي العام بأن النظام المصرفي الأمريكي سليم، ومعافى من تداعيات الأزمة المصرفية الأخيرة التي طالت ثلة من البنوك متوسطة الحجم، إلا أن الأسباب التي تدعو لتصديقهم غير واضحة، ولا كافية، خصوصاً أن الرئيس جيروم باول طمأن الكونغرس بالعبارات ذاتها تقريباً، قبل أيام فقط من انهيار بنك «وادي السيليكون».

وفي الأسابيع التي تلت ذلك، ورد أن «اختبارات إجهاد قانون دود فرانك»، التي وُضعت في عام 2010 بحجة حماية الاقتصاد والمستهلكين من مختلف الأزمات المالية الكبيرة، لم تتوقع الانخفاض في قيمة السندات الحكومية الناجم عن الزيادات الشديدة في أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي.

ووجدت دراسة حديثة لإيريكا جيانغ وفريقها البحثي، من كلية مارشال للأعمال في جامعة جنوب كاليفورنيا، أن أصول جميع البنوك التي تم تحديدها في السوق انخفضت بمعدل 10% بعد زيادات سعر الفائدة الفيدرالية، مع تعرض الشريحة المئوية الخامسة الأدنى لانخفاض 20% أيضاً.

وبينما وعد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بمحاسبة المسؤولين عن انهيار «إس في بي»، فإن مثل هذه الوعود يجب أن تُستقبل بجرعة لا باس بها من الشك. فقبل سنوات ليست بالبعيدة، لم تُحمّل إدارة أوباما التي شغل فيها بايدن نفسه منصب نائب الرئيس، أي مؤسسة مصرفية تذكر المسؤولية عن الأزمة المالية لعام 2008.

والحقيقة الواضحة هنا بما لا يدعو للشك، وهي أن المنظمين، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي، فشلوا في الحفاظ على النظام المصرفي آمناً. فأساس عمل البنوك هو «الثقة»، ويحتاج المودعون إلى أن يكونوا واثقين بقدرتهم على سحب أموالهم وقتما يريدون.

واليوم، حتى نفحة الخطر والشك المتمثلة في عدم قدرة العملاء على استعادة أموالهم كافية لدفع هؤلاء إلى سحب المبالغ غير المؤمّنة، وحتى المؤمّنة. والنتيجة هي أنه عندما يفشل أحد البنوك، فإن معظم الأشخاص المتضررين هم إما أولئك الذين لم يلقوا بالاً للأمر، أو العملاء المسنّين الذين لا يستخدمون الخدمات المصرفية الرقمية.

إن الوضع الراهن الذي يستخدم بموجبه المودعون المتمرسون وسطاء للانخراط في التحكيم التنظيمي وضمان أن جميع ودائعهم مؤمّنة، أو أنهم مستعدون لسحب الأموال فوق المبلغ المؤمّن عليه في أي لحظة، ليس وسيلة لإدارة نظام مصرفي بحجم النظام المصرفي الأمريكي. ولتحقيق الاستقرار في هذا القطاع، يجب على صانعي السياسات فرض تأمين شامل على الودائع، يدفعه المودعون بناء على الفوائد التي يجنونها والمخاطر النظامية التي يشكّلونها. وإلى أن يتم ذلك، سيظل النظام المصرفي هشاً.

وبصفته رئيس الوكالة الحكومية المسؤولة عن الإشراف على بنك «إس في بي»، يتحمل باول مسؤولية إخفاقات الرقابة التي أدت إلى انهيار المؤسسة. فعلى عكس الاحتيال الهائل في مجال الإقراض العقاري الذي تسبب في الأزمة المالية لعام 2008، بدا إقراض «إس في بي» سليماً.

وحتى الإقراض الجيد يمكن أن يتحول إلى حالة سيئة في خضم انحدار كبير، كما أن الشكوك في وجود نشاط مشكوك فيه تظهر حتماً عندما يتم الاحتفاظ بأموال كثيرة في حسابات منخفضة الفائدة غير مؤمّنة. لكن مشاكل «إس في بي» كانت أكثر خطورة، وكان ينبغي لأي منظم مصرفي تحسَّس الخطر أن يتصرف، لا سيما عندما يكون المنظم هو الذي يخلق المخاطر نفسها.

في غضون ذلك، تنخرط البنوك دائماً في تحويل آجال الاستحقاق، وتحويل الودائع قصيرة الأجل إلى استثمارات طويلة الأجل. وفي حين أن هذه العملية محفوفة بالمخاطر بطبيعتها، فإن البنوك غالباً ما تميل إلى المقامرة بأموال المودعين إذا كان دافعو الضرائب يتحملون المخاطر بشكل مباشر، أو غير مباشر.

وهذا ما فعله بنك «وادي السيليكون» المتعثر بالضبط، فقد استثمر بعض ودائع عملائه في أوراق مالية طويلة الأجل، تبدو ظاهرياً آمنة، وراهن على أن أسعار الفائدة طويلة الأجل لن ترتفع. لكن كان على المشرفين أن يمنعوا ذلك، وأن يعتمدوا هذه الحادثة في أولها جزءاً أساسياً من اختبار الإجهاد. لكن بنك الاحتياطي الفيدرالي سمح بحدوثها، ومن خلال إهماله دور زيادات أسعار الفائدة في تعزيز هشاشة القطاع المالي، حدّ أكثر من فعالية اختبارات الإجهاد الخاصة به. أضف إلى هذه الأخطاء الإشرافية إخفاقات تنظيمية سبقت انهيار «إس في بي»، متمثلة في تخفيف الفيدرالي اللوائح المفروضة على البنوك التي تمتلك أهمية اقتصادية إقليمية محدودة، وليست بذاك التأثير الكبير في النظام المصرفي الأوسع.

وتُظهر الوقائع الحاصلة أن الاحتياطي الفيدرالي، ورئيسه، فقدا المصداقية على كل الجبهات. وقد كشفت الأزمة الحالية عن فشل المركزي في معالجة قضايا الحوكمة التي ساهمت في أزمة عام 2008. ويبقى أن نرى ما إذا كان الاضطراب المالي الذي لا يزال يغلي بسبب انهيار بنك «وادي السيليكون» سوف يتحول إلى أزمة أعمق في ظل فقدان ثقة المستثمرين والمودعين بتأكيدات بنك الاحتياطي الفيدرالي، وقدرته على معالجة الأمور. فقط الإصلاحات الهادفة لتأمين الودائع، والحوكمة، والهيكل التنظيمي، والإشراف يمكن أن تعيد الثقة بالبنوك، ومصداقية بنك الاحتياطي الفيدرالي.

* أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا، والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد- «بروجيكت سينديكيت»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5uh7bbyp

عن الكاتب

أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا، والحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"