في انتظار حرب لا تندلع

04:38 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاصم عبد الخالق

يتفق معظم المفكرين والمخططين الأمريكيين على ضرورة استبعاد الحرب الآن، ليس لأسباب أخلاقية أو إنسانية، ولكن لأنها ليست ضرورية، ولن تعود بالنفع على بلادهم.
نقطة الاتفاق الأساسية بين الأمريكيين الداعمين للحرب ضد إيران والرافضين لها هي أنهم لا يتوقعون ولا يريدون اندلاعها في الوقت الراهن. يعرف ويطمئن الفريقان بأن كلمات التهديد النارية التي يطلقها السياسيون والعسكريون لن تتحول إلى أفعال حالياً. وأن المواجهة مع إيران تسير على هذا النحو منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولا يوجد ما يدعو لتغيير جوهري في السياسة الأمريكية.
ويتفق السواد الأعظم من المفكرين والمخططين السياسيين الأمريكيين على ضرورة استبعاد الحرب الآن، ليس لأسباب أخلاقية أو إنسانية، ولكن لأنها ليست ضرورية، ولن تعود بالنفع على بلادهم، بل ستتسبب في أضرار بالغة.
فضلاً عن ذلك توجد مبررات عدة تجعل الحرب بديلاً مستبعداً في الوقت الحالي. وقد لخصها تقرير لمجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية في خمسة أسباب. أولها أن الأمريكيين باختلاف توجهاتهم السياسية لا يريدون الحرب. ووفقاً لتحليل أجرته المجلة لنتائج استطلاعات الرأي الأسبوعية خلال يونيو/‏حزيران ويوليو/‏تموز الماضيين فإن 86% من الديمقراطيين و81% من الجمهوريين ونفس النسبة من المستقلين لا يؤيدون التصعيد ضد إيران.
السبب الثاني لاستبعاد نشوب الحرب هو أن ترامب نفسه لا يفضلها سواء ضد إيران أو غيرها. وخلال عامي رئاسته أطلق تصريحات نارية صعد فيها بتهديداته إلى عنان السماء قبل أن يهبط على لا شيء. توعد إيران بردٍّ قاسٍ عندما أسقطت طائرة مسيرة أمريكية، ثم أعلن أنه أوقف الهجوم قبل دقائق من تنفيذه.
فعل نفس الأمر مع كوريا الشمالية التي هدد في 2017 بتدميرها تماماً، ثم التقى مع زعيمها ثلاث مرات. وهدد من قبل بمحو أفغانستان، ثم عقد مفاوضات سرية مع طالبان.
ثالث الأسباب لعدم اندلاع الحرب هو اختفاء أحد أكبر دعاتها وهو جون بولتون الذي استقال أخيراً من منصبه كمستشار للأمن القومي الأمريكي. السبب الرابع الأكثر أهمية هو أن المؤسسة العسكرية الأمريكية لا تحبذ الحرب ضد إيران. وفي يوليو الماضي وخلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ للتصديق على تعيينه رئيساً للأركان، شكك الجنرال مارك ميلي في احتمالية وجدوى الحرب.
ومن البديهي أن لدى المؤسسة العسكرية تقديرات دقيقة عن حجم الدمار الذي يمكن أن تلحقه الحرب بمنطقة الخليج والشرق الأوسط عموماً، على ضوء ما يمكن أن تفعله طهران باستخدام أذرعها الممتدة في اليمن وسوريا ولبنان والعراق.
السبب الخامس والأخير يتعلق بالطرف الآخر وهو إيران نفسها. فإذا كان الأمريكيون ورئيسهم وجيشهم لا يحبذون الحرب، فإن الشعب والقيادة في إيران لديهما نفس التوجه. والمؤكد أنهم يدركون العواقب الكارثية لأي مواجهة عسكرية شاملة مع أمريكا. تتبع إيران قاعد قديمة معروفة هي الدفع بالأزمة إلى حافة الهاوية.
قد تكون هذه الاستراتيجية مفيدة جزئياً، لكن المخاطر تبقى كبيرة إذا أساء أي طرف التقدير وبما يؤدي إلى وقوع صدام عرضاً بلا تخطيط ولا نية مسبقين. عندها سيجد كل جانب نفسه مضطراً للرد حفاظاً على الهيبة والكرامة.
أخيراً، لا يوجد ما يضمن رفض ترامب للحرب حتى النهاية، فقد تكون مهرباً جيداً له إذا أحكم الديمقراطيون الخناق حوله بعد شروعهم في إجراءات عزله في مجلس النواب. الخطر القادم من الخارج أسلوب مجرب وناجع لإلهاء الداخل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"