عادي

لماذا الحرب؟.. أينشتاين يسأل وفرويد يجيب

20:43 مساء
قراءة 4 دقائق
لماذا الحرب؟.. أينشتاين يسأل وفرويد يجيب

القاهرة: «الخليج»

في عام 1932 كلفت عصبة الأمم والمعهد الدولي للتعاون الفكري في باريس، عالم الفيزياء المشهور ألبرت أينشتاين (1879 – 1955) بإدارة نقاش صريح حول أية مشكلة يختارها بنفسه، وكان على أينشتاين أن يختار موضوع النقاش والشخص المناسب الذي سوف يتبادل معه وجهات النظر هذه في المناظرة.

اختار أينشتاين للنقاش مشكلة الحرب وأسبابها وكيفية الخلاص من تهديدها، واختيار موضوع النقاش يسهل عملية اختيار الشخص المناسب كشريك لأينشتاين في هذه المناظرة.

كان من المنتظر أن يكون هذا الشخص مفكراً سياسياً أو شخصية دولية أو مختصاً في شؤون الحرب أو العلاقات الدولية، إلا أن اختيار أينشتاين وقع على فرويد (1856 – 1939) عالم النفس المشهور والذي انتهى قبل سنوات قليلة من دعوة أينشتاين من تأليف كتابه «الحضارة وإحباطاتها».

كان أينشتاين يرى أن الحروب هي المشكلة الخطيرة التي يتحتم على البشرية مواجهتها، وإلا فإنها يمكن أن تهدد وجودها في الصميم بحكم التقدم الكبير في الأسلحة المدمرة، وبتعبير جورج ويلز: «إذا لم نقض على الحرب فإن الحرب ستقضي علينا» وعلى هذا فإن مستقبل البشرية يبقى مرهوناً بمدى نجاحها في وضع حد لهذه الحروب أو التقليل من مخاطرها على أقل تقدير.

كل هذا يطرحه كتاب «لماذا الحرب؟.. المناظرة بين فرويد وأينشتاين» تحرير وتقديم نادر كاظم، وترجمة جهاد الشبيني، لكن لماذا فرويد؟ لقد قرأ أينشتاين كتاب فرويد: «الحضارة وإحباطاتها» بدليل أنه يعبر في رسالته إلى فرويد عن إعجابه بفكر فرويد، وبالفكرة الأساسية التي تمثل صلب الكتاب، وهي الكشف عن ذلك التلازم بين غريزة العدوان والتدمير وغريزة الحب والرغبة في الحياة في النفس الإنسانية.

كما أنه يعبر لفرويد عن شكره على «العديد من الساعات الممتعة التي أتيحت لي في قراءة أعمالكم» مع أن أينشتاين يبدي وجهة نظر بعيدة عن نظريات فرويد، وهي أقرب ما تكون إلى مشروع إمانويل كانط عن «الحكومة العالمية».

كان أينشتاين يرى أن حل معضلة الحرب يكمن في إنشاء «هيئة قضائية وتشريعية لتسوية النزاعات الناشئة بين الدول بموافقة دولية تلتزم كل الدول بالامتثال إلى الأوامر التي تصدرها وتلجأ إلى قراراتها في كل النزاعات».

لكن المشكلة ليست في وجود مثل هذه الهيئة بل في فرض الخضوع لها بالامتثال إلى أوامرها، وهذا لن يكون إلا بتوافر قوة عالمية، تفرض قرارات هذه الهيئة، وفي ظل غياب هذه القوة لا معنى لوجود تلك الهيئة القضائية العالمية.

وفي النهاية يذهب أينشتاين، تأثراً بأفكار فرويد، إلى القول إن الحرب ترتكز على رغبة قوية ومتجذرة في نفوس البشر، تلك هي غريزة الكراهية والتدمير والعدوانية، وهذه غريزة كامنة، ويمكن استثارتها بقوة في أية لحظة، وبخاصة في أوقات الاضطراب والتجييش الجماعيين.

  • بحث

يبدو أن هذه القناعة هي التي حملت أينشتاين على اختيار فرويد شريكاً له في هذه المناظرة، والتي بقيت مهملة وغير معروفة عربياً وعالمياً، لقد ابتدأ فرويد تماماً كما فعل أينشتاين بالبحث عن تفسير عملي للحروب ونزعات التدمير في تاريخ البشر.

وشرع يطرح نظريته الأولية عن أصل الدولة، في البدء كان العنف، عنف القوي المنتصر، ثم حصل أن اتحد الضعفاء لوضع حد لعنف هذا الأخير، إلا أن دورة العنف لا تتوقف عند اتحاد الضعفاء لأن المجتمع أكثر تعقيداً مما نظن، فهو يتألف من عناصر قوى غير متكافئة، الأمر الذي يعني تجدد العنف.

الأمر الذي يطرح السؤال: من أين تستمد دورة العنف المتجدد مصدرها الأصلي؟ بالنسبة لفرويد فإن العدوانية هي هذا المصدر الذي نبحث عنه، وهي غريزة ترتكز على ميول ونوازع متجذرة في الإنسان، ولا يمكن اقتلاعها من جذورها، ولا يمكن قمعها بصورة كاملة.

ولهذا لا جدوى من محاولة التخلص منها، لأنها ترتكز على «استعداد غريزي بدائي مستقل بذاته»، وكل ما يستطيع البشر عمله تجاه هذه الميول والنوازع الغريزية هو محاولة تصريفها في قنوات أخرى غير قنوات الحرب والصراعات المدمرة.

يكفي بتعبير فرويد «أن تحاول الإبقاء عليها في المستوى الذي لا يحتاجون فيه إلى ترجمتها إلى حرب» من حيث أن الحرب لم تكن سوى ضرب من ضروب التصريف العنيف لنوازع العدوانية القاتلة عند البشر، ومن هنا كانت العدوانية أعظم عقبة وأخطر عائق يقف ضد تقدم البشرية، التي يتقرر مصيرها بمدى قدرتها على التغلب على هذه الغريزة، وبمدى قدرتها على «تذليل كبرى العقبات التي تصطدم بها الحضارة».

  • هدف

غير أن فرويد اكتشف أيضاً أن للعدوانية وظيفة أخرى فهي وسيلة لتعزيز التلاحم داخل الجماعة أو الأمة، لا يمكن تصور أمة تكون حدودها هي كامل حدود الإنسانية جمعاء، لأن العدوانية ستكون عندئذ مكفوفة وبلا موضوع تستهدفه، ما يعني أنها سترتد على الذات لتصبح هي هدف العدوان والتدمير.

هذه هي الخلاصة التي يمكن الخروج بها من هذه المناظرة، التي نشرت في كتاب عام 1933 وهي واحدة من أهم المناظرات التي عرفها النصف الأول من القرن العشرين لأنها جمعت بين اثنين من أعظم علماء القرن العشرين في العلوم الطبيعية والإنسانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8vkutr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"