تفكيك خطاب الكراهية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

تحتفل الأمم المتحدة في 18 يونيو/ حزيران منذ عام 2022 باليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية، وذلك بعد تزايد العنف وغياب التسامح في العديد من بقاع العالم. تمتلك الكراهية خطاباً مؤثراً وفاعلاً، فضلاً عن أدوات عدة، تستطيع من خلالها الانتشار والتأثير، وهناك مجالات تمر من أمام أعيننا ونحن لا نتصور أنها ترسخ في العمق لفكرة الكراهية، مثل العديد من الأفلام الأمريكية التي تقسم العالم إلى أخيار وأشرار من وجهة نظر صنّاع الفيلم، ويجد المشاهد عبر تقنيات عدة نفسه متورطاً في تأييد الأخيار وفي كراهية الأشرار الذين ربما يكونون في الحقيقة أصحاب قضية يدافعون عنها، ولكنها قضية تتناقض مع أجندة القائمين على السينما.

  تبدأ الكراهية من تقسيم العالم إلى «نحن وهم»، فكل ما ينتمي إلينا وفق هذه النظرة على صواب ويمتلك الحق في الحياة، أما كل من يقع داخل دائرة «هم» فخطأ مطلق لا مجال له لكي يعبّر عن نفسه، وربما لا يحق له الوجود. وفق هذه الذهنية يغيب التسامح ويتفشى التطرف والتعصب وتشيع أفكار إقصاء الغير، وينتهي التعايش المؤسس على احترام الآخر وقبوله.

  هذا التقسيم نجده في ثقافات بأكملها وتعتقد أنها أرقى من الآخرين، فتقوم بدراستهم بوصفهم كائنات أدنى في سلم البشرية، وهو ما لخصه خلال القرن التاسع عشر، علم الأنثروبولوجيا «علم الإنسان»، إذ درس الحضارات القديمة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية من هذا المنظور. وهناك علم آخر درس الشرق لقرون طويلة (علم الاستشراق)، حيث كان الشرق في المخيلة الغربية ذلك المكان الذي يحتوي على كل ما هو غريب ومدهش وخلاب، وفي الحالتين، حالة الشعوب المدروسة أنثروبولوجياً والشعوب المدروسة استشراقياً، تشكلت خطابات إقصائية عديدة، ترفض ثقافات هذه الشعوب، وتنظر إليها من أعلى، وترى أن لا وسيلة لإدماج هذه الشعوب في الحضارة إلا بتبنيها النمط الغربي، وتخليها عن عاداتها وتقاليدها ولغتها وموروثها الثقافي، ورافق تلك الخطابات أكبر حركة استعمار في التاريخ، صاحبها أحياناً إبادة بعض الجماعات العرقية «الأدنى». لقد مارس الغرب الكراهية لقرون طويلة من خلال الفعل المباشر وعبر التنظير الفكري كذلك.

  الكراهية نظرة أحادية للعالم، تفتقد إلى التنوع، والأهم أنها ربما تكون كامنة ومضمرة وغير مرئية لدى الطرف الأضعف في الحضارة، وهي رؤية تنسحب حتى على نظرتنا للتاريخ، فمسار هذا الأخير واحد في العالم، فنحن نتبنى في تحقيبنا للتاريخ وجهة النظر الغربية، بداية من العصور المظلمة وانتهاء بما بعد الحداثة، ومروراً بالنهضة والتنوير..إلخ. وفي الحقيقية هي وجهة نظر تقصي تاريخنا بأكمله، فالعصور الوسطى الأوروبية كانت عصور النهضة في الحضارة العربية الإسلامية، وهناك مناطق في العالم لا تعيش الآن مرحلة ما بعد الحداثة.

  يعود معظم أسباب الكراهية إلى عوامل ثقافية تحتاج إلى تفكيكها أولاً، ثم العمل على تجاوزها في مرحلة لاحقة، وذلك من خلال الإيمان بمساواة جميع البشر واحترام حقوقهم وعاداتهم وتقاليدهم وحتى ماضيهم، ومن دون ذلك ستظل ثنائية «نحن وهم» تشيع أجواء الكراهية بين الجميع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/pe8faxf8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"