عادي

لبيك يا الله

22:48 مساء
قراءة دقيقتين
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر

سبحان من أودع في كل قلب ما أشغله، ولك الحمد يا ربنا أن وجهتَ قلوبنا إليك، وإلى محبة بيتك الحرام وشعائرك المهيبة الحسان، حتى علق القلب بها فلا يريد أن يبرحها ولا يطيق عنها بُعداً أو فكاكاً.

نسمات باردة رطبة ونسيم عليل يهب من كل ناحية، خاصة من جهة الأراضي المقدسة.

حقاً ما تحركت أفواج الحجيج رجالاً، وعلى كل ضامر، جاؤوا من كل فج عميق، تستفزهم آمال وتجذبهم تطلعات وأمنيات، إلا اضطرب القلب المدنف اضطراب الخائف القلق؛ محلّقاً في جو السماء، وثارت لواعج نفس، طالما أقامت على ترقب ذلك اليوم الأثير.

طبتِ يا أرض الذكريات، يا أرض مكة وطيبة، فهنا دعا، صلى الله عليه وسلم، الناس وعلّمهم، وهنا أوذي في الله فرضي وصبر، ومضى غير خائف ولا متردد. وهنا طاف وسعى، وهنا دعا ربه وناجاه، وهنا مشى وخطب ووعظ. وهنا جاهد وحضّ على الجهاد. هنا جلس في ظل نخلة أو ظل جدار، وهنا سارت الناقة، وههنا وقفت وبركت، وههنا جلس مع الصحب الكرام أو عمل معهم.

ما تحركت أفواجُ الحجيج تؤمُّ الأرض المباركة الطاهرة، وقد حثّت المطيَّ لبلوغ البيت العتيق يحدوها الحادي بصوتٍ فطري خاشع رخيم، يرسلُ أناشيد الشوق، وتلبيات المحبة والحنين تنساب على الكثبان أو في جنبات الوديان، وقد تراءت في حدائه صور المشاعر العظام، واشرأبّت خلاله ذكريات الأيام الخوالي أيام العز والأمجاد، وطفحت معاني القُرب والإيمان، إلا وجل القلب واضطرمت نار الحشا، وتعالت الأنفاس وتسارعت، حتى لكأن اللقاء المهيب الحبيب كائن أو أن يكون، فازدحمت مشاعر وصور مخزونة تراكمت على مر الأيام والسنين.

لكِ الله أيتها النفس المشوقة، ما فاتها قطّ رفقة الركبان وصحبة هاتيك القوافل البيض المترعة بالحنين، وهي تقطع المهامه والقِفار، تصعدُ شرفاً وتهبط وادياً، ميممة شطر مهبط الوحي ومنبع النور، إلا شقّ أنين اللوعة والشوق حجب النفس، وحطّم حواجز الكتمان، فإذا بالأنات العذبة ممزوجة بالدموع الحرّى تبوح بالسر، وتكشف المخبوء، وتُهدي القلب ألحان حب وأنغام سكينة، تَطامَنُ لها نيران اللوعة إلى أمد وحين.

وكيف لا يكون الأمر هكذا، وقد توجّه قِدماً أبو الأنبياء على نبينا وعليه الصلاة والسلام، بدعوة شقت عنان السماء فأصابت سويداء القلوب المؤمنة، وحلت منها محلَّ الرغبة والرضا، ألم يقل ربنا تباركت أسماؤه يحكي هذه الدعوة الصادقة الممتدة عبر القرون «فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم»؟ وهل يردُّ الله سبحانه دعوة خليله في توجيهه القلوب وهويّها إلى بيته الحرام؟ إنه من أجل هذه الدعوة المنطلقة من قلب الخليل، والتي تفتحت لها مصاريع السماء، وأبواب القلوب الحيّة، وغدت قرآناً يُتلى إلى أن يرث الله سبحانه الأرض ومن عليها، لا تزال القلوب اليقظى منجذبة إلى تلك البقاع. إنها دعوة لا تنمحي، بل لا تخمد ولا تبرد مهما تطاول الزمان وأوغل في المستقبل الآتي، ولا يزال نور هذه الدعوة يقوى ويسطع يوماً بعد يوم، متجلياً بتلك الملايين المشدودة إلى أرض الحجاز المتلهفة لرؤية البيت العتيق، والوصول إلى ذلك الوادي غير ذي الزرع، إلا أنه طافح بالمشاهد والآثار والنور والضياء.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5755j9rt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"