تمرد «فاغنر» والسيناريوهات الخيالية

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

ذهب بعض المحللين السياسيين و«الخبراء» بعيداً، في توصيف تمرد قوات «فاغنر» في روسيا يوم 23 من الشهر الماضي الذي استمر 36 ساعة،بحيث وضعوا سيناريوهات خيالية، تفتقد إلى الترابط والمنطق والسياقات المعقولة لأي فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني. بحيث إن البعض شطّ به الخيال، ليتحدث عن «فيلم» مرتب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقائد «فاغنر» يفغيني بريغوجين، بهدف تعزيز وضع الرئيس الروسي داخلياً، فيما ذهب البعض الآخر إلى القول إن المقصود من التمرد هو تبرير انتقال قوات «فاغنر» إلى بيلاروسيا، ومن ثم انتقالهم من هناك إلى الجبهة لمهاجمة العاصمة الأوكرانية كييف الأقرب إلى حدود بيلاروسيا الجنوبية منها إلى حدود روسيا الشرقية.

 في مثل هذه التحليلات يبدو أن الخيال لعب دوراً كبيراً في توصيف ما جرى بما يبتعد كثيراً عن المنطق والحقيقة، ذلك أن الرئيس الروسي لا يحتاج إلى إخراج مثل هذا «الفيلم» السطحي الذي يسيء إليه أكثر مما يفيده، لأن ما جرى شكل تهديداً فعلياً لأمن الدولة الروسية، وكاد لو نجح أن يقوّض أركان السلطة ويشعل فتيل حرب أهلية، أو فوضى شاملة كان من الصعب التنبؤ بتداعياتها، بما يشكل انتصاراً فعلياً للاستراتيجية الغربية في تصدع الدولة الروسية داخلياً، وبالتالي هزيمتها، وهو ما أشار إليه أكثر من مسؤول غربي جراء الحرب الأوكرانية.

 ولأن هكذا «فيلم» غير واقعي وخيالي بالمطلق، فإن الرئيس بوتين اضطر إلى مخاطبة الشعب الروسي والجيش أربع مرات، في غضون ثلاثة أيام، ليتحدث عن مخاطر ما جرى، ويصفه ب«التمرد على الشعب» و«الخيانة» و«طعنة في الظهر»، وأشار إلى أن أية «اضطرابات تشكل تهديداً قاتلاً لأمتنا ودولتنا»، وداعياً الشعب الروسي إلى الوحدة. وهذا يعني أن ما جرى شكل تهديداً داخلياً خطيراً وأكبر أزمة واجهها بوتين منذ توليه السلطة قبل أكثر من عشرين عاماً.

 لذا من الصعب القبول بهكذا سيناريو، وضع روسيا أمام المجهول، كما وضع بوتين في موقف صعب.

 أما القول إن التمرد حصل لتبرير نقل قوات «فاغنر» إلى بيلاروسيا لمهاجمة كييف من هناك، أو تهديد الدول المجاورة مثل بولندا وليتوانيا ولاتفيا، فهو قول يفتقد أيضاً إلى الواقعية، لأن روسيا التي جاهرت بنقل أسلحة نووية تكتيكية إلى بيلاروسيا، ليست بحاجة إلى مثل هذا التبرير، وهي تستطيع إعلان ذلك من دون مبررات، تنفيذاً لطلب الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو بضمانات أمنية روسية، في مواجهة المخاطر التي تواجهها من دول حلف «الناتو» المجاورة.

 لقد أعلن لوكاشينكو الذي لعب دوراً أساسياً في إنهاء تمرد «فاغنر»، واستضافت بلاده بريغوجين، أن بلاده «لن تبني معسكرات لمقاتلي المجموعة في بلاده»، لكنها عرضت عليهم «أرضاً مهجورة» إذا أرادوا ذلك.

 في كل الأحوال، تم وأد التمرد، وسقطت كل الرهانات الغربية، وظل بوتين ممسكاً بالسلطة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4vvhbe2w

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"