تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة ضرورة حيوية

22:03 مساء
قراءة 3 دقائق

ستيفان أولكاكار *

لا يخفى على أحد الدور المحوري الذي تضطلع به الشركات الصغيرة والمتوسطة في دفع عجلة النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، فهي تشكل العمود الفقري للنمو طويل الأمد، كما أنها مصدر أساسي للابتكار والإبداع وريادة الأعمال، وهي ذاتها الصفات التي باتت تهيمن على دول المنطقة. ولكن، وعلى الرغم من أهمية هذه الشريحة من الشركات، فإن دول مجلس التعاون الخليجي هي أيضاً تعد موطناً لعدد كبير جداً من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تزال تمارس أنشطتها على هامش الحياة الاقتصادية، بمعنى أن دورها ومساهماتها الاقتصادية لا تصل إلى مستوى التطلعات. ومن المسلّم به أن حجم اقتصاد الظل أو ما يُعرف بالاقتصاد الخفي أو الموازي في منطقة الخليج صغير نسبياً؛ إذ يمثل نحو 18% فقط من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة ب 28% على مستوى العالم، ولكن في ظل التوجهات الجديدة والسعي المستمر نحو بناء اقتصادات تواكب متطلبات المستقبل، فإن لكل شركة أهميتها ودورها المنتظر. ويكمن التحدي الآن في كيفية تسليط الضوء على الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية، والعمل على تعزيز الشمول المالي والاقتصادي، لاستقطاب وجذب هذه الشريحة من الشركات، وتفعيل مساهمتها في الاقتصاد المحلي. وفي الحقيقة، الفرضية تبدو بسيطة للغاية، وتتمثل في أن تعزيز الشمول المالي والاقتصادي من شأنه أن يسهم في تعزيز الآفاق الاقتصادية طويلة الأجل ويخلق مجتمعات متساوية من حيث الفرص وأكثر استقراراً وازدهاراً. وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن هذه الفرضية مقنعة، وأسباب تبنيها متعددة.

أولاً، ستستفيد دول مجلس التعاون الخليجي من خلال توسيع نطاق وشفافية الأنشطة داخل الاقتصاد الرسمي من مصادر دخل إضافية. كما يمكن للمنطقة أيضاً تحفيز التقدم الاقتصادي، وزيادة الطلب على المنتجات المحلية من خلال توسيع نطاق الخدمات المالية، لتشمل الفئات التي لا تمتلك حسابات مصرفية وليس لديها اﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻭ/ﺃﻭ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﻣﺮﻳﺤﺔ، أو التي تستخدم خدمات مالية بديلة. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد ترسيخ الشمول المالي في تقليل الاعتماد على الأنظمة المالية غير الرسمية، ما يؤدي إلى مزيد من الاستقرار في القطاع المالي، ويسهم في دفع عجلة النمو المستدام للشركات الصغيرة والمتوسطة نفسها.

ويمكن أن يؤدي الشمول المالي والاقتصادي إلى فوائد اجتماعية وإيجابيات على مستوى ممارسات الاستدامة أيضاً. فمن خلال زيادة توافر الخدمات المالية، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي، تعزيز أهداف التنمية المستدامة مع تمكين السكان ذوي الدخل المنخفض والمحدود من المشاركة والمساهمة بدور فعّال في الاقتصاد. وكمثال على ذلك، شركة المدفوعات الرقمية السعودية STC Pay، والتي نجحت من خلال مجموعة من الخدمات المالية من خلال منصة رقمية في زيادة الشمول المالي، وتقليل الاعتماد على المعاملات النقدية. وركزت المحفظة في البداية على العمال من ذوي الياقات الزرقاء في المملكة، وتضم الآن 8.5 مليون مستخدم، وحصلت على ترخيص من البنك المركزي السعودي، لتصبح بنكاً رقمياً متكاملاً.

تقدم حالة شركة STC Pay مؤشراً على مدى التزام دول مجلس التعاون الخليجي بتعزيز الشمول المالي. وفي الواقع، يولي قادة وحكومات دول الخليج رعاية مجتمع الأعمال الصغيرة والمتوسطة، أولوية قصوى من خلال سن تشريعات وقوانين مشجعة، لخلق بيئة ملائمة. ويُقدّر نشاط اقتصاد الظل أو «الاقتصاد الخفي» بنحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية، و17% في البحرين، و22% في الكويت، و24% في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وعلى الرغم من صغر حجمه مقارنة بالمتوسطات العالمية، فإن هذه النسب تشير إلى التأثير الكبير لهذه الأنشطة في منطقة تشكل فيها الشركات الصغيرة والمتوسطة محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي.

وفي دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، وظفت الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 86% من القوى العاملة في القطاع الخاص اعتباراً من منتصف عام 2020، واستحوذت على أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي الوقت نفسه، تهدف المملكة العربية السعودية إلى تعزيز مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصاد المحلي لتبلغ 35% بحلول عام 2030، كما حددت مملكة البحرين هدفاً لزيادة مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى 50% بحلول عام 2030.

مع تحديدها مجموعة من الأهداف الطموحة، تتولى دول مجلس التعاون الخليجي زمام المبادرة لقيادة جهود منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لمكافحة أنشطة الاقتصاد غير الرسمي من خلال مجموعة شاملة من التدابير.

* مدير لدى آرثر دي ليتل الشرق الأوسط

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8bj3az

عن الكاتب

مدير لدى آرثر دي ليتل الشرق الأوسط

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"