عادي
أب يحرم ابنه من الميراث بسبب تركها

التوجية أم العقاب.. كيف نعالج تكاسل الأبناء عن الصلاة؟

00:01 صباحا
قراءة 5 دقائق

القاهرة- بسيوني الحلواني:

في واقعة نادرة، حرَم مزارع ابنه من حقه الشرعي في الميراث، بسبب ترك الصلاة وعدم استجابته لنصائح الأب المتكررة، فوزّع ممتلكاته وأمواله على أبنائه الآخرين في حياته، ليحرم تارك الصلاة من نصيبه الذي كان سيؤول إليه بعد رحيل الأب.

وقد أثار هذا التصرف جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، ما بين مؤيد ومعارض لتصرف الأب، مع تأكيد العلماء على أن عقوبات إلهية تنتظر المتكاسلين عن الصلاة.

الصورة

يؤكد العالم الأزهري د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق، خطأين وقع فيهما الأب، الأول: تصرفه في ممتلكاته حال حياته، والإسلام لم يأمر بذلك، وواجب المسلم أن يترك أمر توزيع الميراث لوقته الطبيعي، وهو بعد موته. ويقول: «الأب الذي يوزع ممتلكاته على أولاده حال حياته ليحرم أحد الأبناء أو أحد الورثة مخالف لما أمر الله سبحانه وتعالى به، فالذي يقدر الحقوق، وينظم تناقل الممتلكات بين الناس هو الخالق وفق منظومة عادلة، ولذلك يجب على الإنسان أن يتصرف مع المحيطين به، وخاصة أبناءه، وفق أوامر الله ورسوله».

ويحمّل د. جمعة هذا الأب، قدراً كبيراً من مسؤولية إهمال ابنه للصلاة وعدم التزامه بفرائض وتعاليم دينه، ويقول: «في بعض بيوتنا لا يهتم الآباء والأمهات بالصلاة، وكثير من الأسر لا تعلّم أولادها منذ نعومة أظفارهم أن الصلاة فرض واجب، لا ينبغي التكاسل عنه أو إهماله تحت أي ظرف، ثم يحاسبونهم بعد ذلك على ترك الصلاة عندما يكبرون!».

ويضيف: «غياب القدوة الطيبة عن بيوتنا هو الذي يؤدي إلى عدم التزام كثير من الأبناء بالصلاة وغيرها من فرائض الإسلام، كما أنه يربي الصغار على قيم وسلوكيات سلبية بعيدة عن تعاليم الدين، فنجد بعضهم أو أكثرهم يكذب ويمارس الغيبة والنميمة، فهناك كثير من الآباء والأمهات لا يصلّون أمام صغارهم، ولا يرغّبونهم في الصلاة، ولا يعاقبونهم لو وجدوا إصراراً على إهمالها عند بلوغهم سن العاشرة».

ويؤكد د. علي جمعة أن تربية الأبناء على احترام فرائض الإسلام والالتزام بها، تبدأ من داخل الأسرة، ثم تكتمل الدائرة بما تغرسه فيهم المدرسة والمسجد ووسائل الإعلام المختلفة من تربية دينية توضّح لهم الأجر والثواب الذي ينتظر كل من يحرص على تعاليم الإسلام وفرائضه، والعقاب الرادع الذي ينتظر الجاحدين والمهملين والمستهترين.

ويفرّق د. فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء وعضو لجنة الفتوى الرئيسية بالأزهر، في تصرف الأب مع ابنه، بين أمرين:

الأول: حق الأب في التصرف في أمواله وممتلكاته حال حياته كما يريد، دون رقيب من أحد، طالما كان أهلاً للتصرف وليس محجوراً عليه بسبب مرض يمنعه من التصرف، فالإنسان في حياته حر في التصرف في ماله يوزعه على من يشاء من أولاده أو عائلته أو غير ذلك، لكن الإسلام يأمره هنا بالرشد في السلوك، فلا يجوز لإنسان أن يتصرف في أمواله ويترك أولاده يتكففون الناس.

الأمر الثاني: أن يوصي الأب بتوزيع تركته بعد وفاته على نحو معين يتم بموجبه حرمان بعض أولاده من الميراث، وهذا لا يجوز شرعاً، فلا وصية لوارث، وما يمتلكه الأب في حياته، لا يمتلكه بعد وفاته، فهو مِلك لورثته يوزَّع عليهم وفق ما قرر الله سبحانه في كتابه الحكيم: «لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا»، كما يقول الله عز وجل: «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا».

حكم تارك الصلاة

أما عن حكم تارك الصلاة فيقول د. الفقي: «إن كان تركها جاحداً لوجوبها منكراً لها، فإنه خارج عن الإسلام، وهذا لا يرث من تركة أقاربه المسلمين، لأنه خارج من الملة باتفاق علماء المسلمين».

أما إن كان ترك الصلاة كسلاً أو إهمالاً، وهو الغالب في سلوك الأبناء، فهذا مسلم عاصٍ، فإذا مات قبل أن يتوب ويؤدي ما عليه من صلاة جرى عليه حكم الفاسق العاصي فيكفن ويُصلى عليه ويرث ويورث.

ويقول: «سوء التربية وراء انصراف كثير من الشباب والأطفال عن الصلاة وعن فرائض الإسلام عموماً، وإذا صلى بعضهم فهو يمارس طقوساً وحركات شكلية بلا روح، ولذلك فإن صلاة هؤلاء لا تصرفهم عن انحراف ولا تحميهم من فساد».

فوائد كثيرة

تؤكد د. سعاد صالح أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر- فرع البنات، أن التربية الدينية الصحيحة منذ الصغر، هي التي تغرس في أولادنا الحرص على فرائض الإسلام، وتقول: «من المؤسف أن الحرص على الصلاة لم يعد له وجود إلا داخل قليل من الأسر، وكثير من المدرسين في المدارس والأساتذة في الجامعات لا يمتلكون مقومات القدوة الطيبة، وكثير منهم للأسف لا يصلي، ومناهج التعليم تتعامل مع التربية الدينية بإهمال شديد، لذلك تجد معظم أطفالنا وشبابنا لا يعلمون الكثير عن أحكام العبادات، وهذا ما يؤكده الواقع من خلال تساؤلات الكثير من الشباب في اللقاءات الدينية التي تُعقد في الجامعات والمدارس».

وتضيف: «لا ينبغي التعامل بقسوة مع الأبناء البالغين الذين يُهملون الصلاة، بل ينبغي أن نتعامل معهم بسعة صدر وصبر، ونستمر في نُصحهم وتوجيههم من أجل مصلحتهم أولاً وأخيراً، لأن عبادات الإسلام عموماً، والصلاة على وجه الخصوص، عبادة لها أهدافها الدينية والاجتماعية والأخلاقية والنفسية».

وتقول: «إضافة إلى الفوائد والمنافع الروحية والصحية للصلاة، هناك منافع وفوائد بدنية كثيرة تعود على الإنسان الحريص على أداء الصلوات، فالحركات التي يؤديها المصلي في ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده، تعود عليه بأكبر المنافع، وتحميه من كثير من أمراض العصر التي لحقت بالكبار والصغار، نتيجة الكسل وإهمال الرياضة، فالصلاة، كما قال الأطباء، تؤدي إلى تنشيط الدورة الدموية وتقوية العضلات وتحمي من آلام الرقبة والظهر والمفاصل، ولذلك من الملاحظ لنا كأطباء أن أمراض الظهر والفقرات تقل كثيراً بين المصلين عنها بين الذين لا يؤدون الصلاة، كما أن الصلاة تُضفي على من يحرص عليها، حالة من الاستقرار النفسي والرضا بالحياة التي يعيشها، وهذا ما يجعله قادراً على مواجهة متاعب الحياة ومصائب الدنيا».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5fda86xu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"