اختفاء المثقف

00:38 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

لا يزال البعض، يكتبون عن المثقف بأسلوب يتسم بكثير من الحنين الذي يعود إلى أربعة أو خمسة عقود ماضية، ويتحدثون عن أدوار المثقفين في التقدم والتحديث وتنوير البشر. هي كتابة كلاسيكية تعيش في الماضي، وربما لا يكون لها أي محل في واقع نشهد فيه صعوداً صاروخياً لفئة أخرى، احتلت مكان المثقفين ونعني بها فئة «المؤثرين» على مواقع التواصل الاجتماعي، وما ينتج عنها من مصطلحات: «يوتيوبر» و«فيسبوكر» و«تيكتوكر». والسؤال هنا هل كانت هذه الفئة الأخيرة، كما يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، هي السبب المباشر في تراجع أدوار المثقفين ؟.

لقد كان المثقف في عز ازدهار أدواره في الواقع، يواجه الكثير من المشاكل والعقبات، والتي تبدأ من جدل لافت حول تعريف مصطلح المثقف نفسه، والذي وصل إلى عشرات التعريفات التي تتعلق بالدور والوظيفة والرؤية والحراك. وفي عقد التسعينات من القرن الماضي ومع انهيار المعسكر الاشتراكي، راجت أطروحات مثل «نهاية الأفكار الكبرى»، وتأثرنا في العالم العربي بمقولات غربية فائقة الحداثة تتابع أطروحة نهاية الأفكار الكبرى، مثل: موت المثقف وموت الناقد وموت المؤلف..إلخ. وبدأت مراجعة حادة ومؤلمة لمفهوم المثقف نفسه، ومن مختلف الاتجاهات والأقطار العربية.

على مشارف الألفية الجديدة أصدر المفكر اللبناني علي حرب «أوهام النخبة أو نقد المثقف»، وفيه رؤية تتميز بسخرية لاذعة من المثقفين، فهؤلاء وإن كانوا يدعون أنهم ينورون البشر، فهم أكثر فئة تحتاج إلى تنوير. يرفض حرب في الكتاب فكرة المثقف من أساسها، ففي النهاية لا يمكن للعقل أن يقبل أن يدعي أحدهم الوصاية على الآخرين، كما فعل المثقفون طويلاً. في الفترة نفسها كتب المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز «نهاية الداعية..الممنوع والممتنع في أدوار المثقفين» عن حالة الاحتراب الفكري التي تسببت فيها قوى المثقفين حول الكثير من القضايا. وبشر المفكر السعودي عبد الله الغذامي في أكثر من كتاب بصعود ثقافة الصورة التي بدأت تزيح المثقف من شرائح النخبة، ونتج عنها بروز وازدهار كل ما هو شعبي. وشهدت الفترة نفسها صمتاً لافتاً، إذ توقف المثقفون عن خوض أية معركة فكرية أو أدبية، ولم يعد هناك ذلك الكتاب الذي يثير الجدل ويحرك المياه الراكدة.

 ومع ما سمي بالربيع العربي تزايد النقد الموجه للمثقفين، في البداية لم يواكبوا الحدث ولم يحللوا متغيرات الكثير من الأقطار العربية التي أفرزت واقعاً جديداً، يحتاج إلى شرح وتفسير، واتهموا كذلك بأنهم لم يقفوا كما يجب في وجه التيارات المتطرفة التي سرقت هذا الربيع.

إن متابعة سريعة لأدوار وحراك المثقفين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تكشف الكثير من الإشكاليات التي تتعلق بهم أنفسهم، إشكاليات أدت إلى تراجعهم، حتى كاد مصطلح مثقف، وفق مفهوم خمسينات وستينات القرن الماضي، أن يختفي.

إن كل من يكتب عن المثقف منطلقاً من التاريخ لا يعبر في اللاوعي، إلا عن أمنية أن يعودوا إلى أدوارهم في مقابل سطحية المؤثرين، ولكن مسار التاريخ حتمي، ولا يعرف الأمنيات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrfv4zcd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"