ثقافة البنك الدولي

21:28 مساء
قراءة 4 دقائق

بيرتراند بادريه *

يتولى أجاي بانغا، رئيس البنك الدولي الذي تم تعيينه مؤخراً، زمام القيادة في لحظة محورية أعاقت خلالها الآثار المدمرة لجائحة «كوفيد-19» التقدم في البلدان النامية، وأدت إلى وقوع 124 مليون شخص في براثن الفقر المدقع. كما أثارت الحرب الروسية الأوكرانية، التي فاقمت التضخم وزادت حدة التوترات بين الولايات المتحدة والصين، المزيد من التقلبات على جميع المستويات. وبالتالي، يتوقع البنك ألا يعود النشاط الاقتصادي في البلدان الناشئة إلى مستويات ما قبل الجائحة قبل عام 2024 على أقل تقدير.

وتحتاج البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، إلى البنك الدولي لقيادة الجهود العالمية للحد من الفقر المدقع وتحسين مستويات المعيشة. ويمكن للمساعدات المقدمة لتلك الدول تقليل أعباء الديون ومكافحة تغير المناخ وتحسين جودة الهواء والماء وزيادة قدرتها على الوصول إلى الطاقة النظيفة وتعزيز أمنها الغذائي.

لكن، هناك شكوك كبيرة متعلقة بقدرة البنك على مواجهة التحديات التي تتعرض لها البلدان النامية. وبهذا الصدد، أشار بانغا في خطاب ألقاه مؤخراً، إلى إن البنك الدولي بحاجة إلى «نهج جديد» للتعامل مع العالم النامي، وبينما يُعد هذا الكلام صحيحاً تماماً، إلا أن أي استراتيجية يتم تحديثها يجب أن تُقر بحقيقة أساسية، وهي أنه من غير المرجح أن يكون لدى البنك رأسمال كافٍ لتمويل الاستثمارات المطلوبة لدرء التحديات الهائلة التي تواجه البلدان الفقيرة. وعليه، يجب على البنك تعزيز قدراته وعلاقاته، إضافة إلى رأس المال العائد له تشجيعاً للاستثمارات التي تعزز النمو والتوظيف، وتسهيلاً للانتقال الأخضر.

وهذا يعني أن يقدم البنك نفسه شريكاً مفضلاً لأصحاب المصلحة. ومن خلال التعاون مع صانعي السياسات في البلدان النامية والمتقدمة وبنوك التنمية متعددة الأطراف، الأخرى والقطاع الخاص، يمكن للبنك تحفيز ما أسماه بانغا «المخاطرة المستنيرة»، واستخدام الميزانية العمومية المحدودة لتشجيع المقرضين من القطاعين، العام والخاص، ومتعدد الأطراف على زيادة استثماراتهم السنوية في التنمية المستدامة، من مليارات إلى تريليونات الدولارات. لكن قبل كل شيء، على بانغا توجيه المؤسسة نحو الشفافية الكاملة.

ويبدأ تعزيز الشفافية بالاعتراف بما هو واضح للعيان في ضوء تفاقم أزمة الديون التي تجتاح الاقتصادات الناشئة حالياً بسبب الجائحة، والتي كانت موجودة أساساً قبل ذلك بوقت طويل. ومعضلة الديون اليوم هي نتيجة قيام المقترضين والمقرضين، (بما في ذلك البنك نفسه)، بتبني مشاريع ذات عائد منخفض لا يمكنها تغطية تكاليفها، ومن أجل تجنب أزمات الديون في المستقبل، يجب على المؤسسات متعددة الأطراف التوقف عن تمويل المشاريع غير المستدامة اقتصادياً.

وفي حين أن المناقشات الفنية حول كيفية الحصول على تمويل إضافي ضرورية، إلا أن مثل تلك المناقشات يجب ألا تشتت انتباه البنك عن المهمة الحيوية المتمثلة في التعاون مع صانعي القرار في البلدان النامية. وتحديد الاستثمارات المستقبلية التي يمكن أن تعزز النمو وتسرع انتقال الطاقة سيكون أكثر فائدة بكثير.

لقد اتخذ الشركاء في البنك بالفعل الخطوة الأولى نحو بنك دولي أكثر فاعلية، خلال قمة باريس الأخيرة من أجل ميثاق تمويل عالمي جديد. ومع ما يقرب من 1.2 مليار شخص في البلدان الفقيرة يفتقرون للقدرة على الوصول إلى الكهرباء، ومليار شخص آخر يعيشون على بعد أكثر من ميل من طريق مناسب لجميع المواسم، يمكن لاستثمارات البنية التحتية أن تعزز النمو المستدام وتساعد في تقليل الديون وتخفيف آثار تغيّر المناخ. وبالنظر إلى أنه من المتوقع أن يهاجر مليارا شخص في الاقتصادات الناشئة والنامية من المناطق الريفية، إلى المناطق الحضرية بحلول عام 2030، فمن المهم جداً بناء محطات طاقة وطرق وسكك حديدية صديقة للمناخ في هذه البلدان.

ومع تقييم البنك بشكل متزايد لمقترحات مشاريع الشركاء بناءً على العوائد المتوقعة، من المحتمل أن يواجه ضغوطاً في ما يتعلق بالمشاريع المتعلقة بالمناخ التي لا يمكن تحقيق فوائدها من خلال الناتج المحلي الإجمالي وحده. وبينما يجب أن تؤكد عملية التقييم التي يقوم بها البنك على أن العديد من مشاريع المناخ يمكن أن تحقق عوائد مرتفعة، إلا أن من الأهمية بمكان إدراك أن هناك أسباباً وجيهة للاستثمار في المشاريع التي قد لا تحقق فوائد اقتصادية قصيرة الأجل.

وتحقيقاً لهذه الغاية، على البنك الدولي تبنّي عملية تقييم من مستويين. يتضمن المستوى الأول المشاريع التي تمت الموافقة عليها فقط على أساس العوائد المتوقعة، ويشمل المستوى الثاني المشاريع التي تفوق فوائدها البيئية المتوقعة كلفتها. ويمكن تقسيم المشاريع التي تمت الموافقة عليها على أساس الجدارة الاقتصادية إلى مجموعتين أيضاً: المشاريع ذات العائد المرتفع التي يمكن أن تجتذب تمويلاً من القطاع الخاص، والمشاريع ذات العائد المنخفض التي تتطلب تمويلاً بشروط ميسرة.

وفي السياق ذاته، يمتلك البنك الدولي الموارد المالية والبشرية لتنفيذ نهج استثماري قائم على أساس البيانات. ولكن لكي ينجح مثل هذا النهج، عليه أن يُقدم تقديرات للعوائد المتوقعة على المشاريع المحتملة، ويتحقق من مراجعة وتدقيق التقديرات بشكل مستقل، وأن يجعل هذه المعلومات متاحة بسهولة للحكومات والمستثمرين وعامة الناس. كما يمكن لبانغا تعزيز مصداقية المؤسسة التي يرأسها وثقة الرأي العام العالمي بها أكثر من خلال ترسيخ ثقافة الشفافية في ما يتعلق بتكاليف وفوائد الاستثمارات المتاحة، ما يشجع المساهمين ومؤسسات التنمية الأخرى على التفكير في زيادة رأس المال وحجم العمل بالطريقة المثلى.

* المدير الإداري السابق للبنك الدولي، والرئيس التنفيذي المؤسس لصندوق «بلو أورانج كابيتال» الاستثماري للتنمية المستدامة

*بروجيكت سينديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/m4zrkdk2

عن الكاتب

المدير الإداري السابق للبنك الدولي، والرئيس التنفيذي المؤسس لصندوق «بلو أورانج كابيتال» الاستثماري للتنمية المستدامة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"