تحديات غير مسبوقة للبشرية

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

قبل سنوات قليلة، كانت التحديات التي تواجهها البشرية أقل حدة من الآن، أما اليوم فيبدو أن الأوضاع تعقدت، وباتت مساحة الأمل تضيق في ضوء التطورات الاقتصادية والسياسية والأمنية والبيئية التي تجتاح مختلف أرجاء العالم، وتنذر بالتدهور في بعض المجتمعات، حتى تلك التي تنتمي إلى بلدان متقدمة كالدول الأوروبية، فهناك أكثر من مشكلة تكبر كل يوم، وأزمات عديدة تتشكل وتتراكم، ولا تجد الحلول.

من الظواهر التي تشير إلى انقلاب في المعادلات المألوفة، أن يواجه ملايين الأشخاص في بريطانيا شبح الجوع، بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الغذائية، وفق ما أشارت إليه دراسة أعدها معهد التنمية في جامعة ساسكس أواخر يونيو/حزيران الماضي. وهذه النتيجة الصادمة للبعض، تعد مؤشراً على حجم التحولات غير المتوقعة في عالم اليوم، فالدول الأوروبية المعروفة بالرفاه الاجتماعي، والرغد الاقتصادي لم تعد كذلك. وعندما انفجرت الاحتجاجات الأخيرة في فرنسا، إثر قتل ضابط شرطة فتى من أصول جزائرية، كان الغضب الشعبي تعبيراً عن دوافع تتجاوز تلك الجريمة غير المبررة إلى أوضاع اجتماعية ظلت تتدهور لسنوات في المدن الفرنسية، ويتساوى فيها أبناء البلد وملايين المهاجرين. والسلطات في باريس، ونظيراتها في العواصم الأوروبية الأخرى، على وعي تام بذلك، وقد أفصح عن ذلك الرئيس إيمانويل ماكرون عندما صدم مواطنيه بالحقيقة المُرة، ودعوته الفرنسيين إلى نسيان عصر الرفاه والوفرة.

إذا كانت هذه حال دول كانت في يوم من الأيام إمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس، مثل بريطانيا وفرنسا، فإن الأوضاع في الدول الفقيرة والمتوسطة، من المستعمرات السابقة، أسوأ بكثير وتتدهور بشدة، فمعظم البلدان الإفريقية لم يعد يسأل عنها أحد، وهي الغارقة في أتون من الأزمات والصراعات والتحديات. وبسبب تداعيات جائحة «كورونا»، والحرب في أوكرانيا، زادت معدلات الفقر والجوع، وضاقت بعض الدول على سكانها، والدليل على ذلك مئات آلاف المهاجرين واللاجئين الذين يتدفقون عبر الحدود والبحار، بحثاً عن مرافئ للاستقرار والعيش الكريم، لكن المفارقة أن أوضاع هؤلاء الضحايا تزداد سوءاً ولا يجدون ما يأملونه، لأن الأزمة التي يمر بها العالم كبيرة جداً، وبعض الأفارقة ربما يكونون أفضل ممن هم في قارات أخرى.

المرحلة التي يمر بها المجتمع البشري دقيقة وحرجة، وتتطلب عملاً متعدد الأطراف، وتنسيقاً مخلصاً بين كل القوى الفاعلة، لمجابهة كل التحديات الماثلة، وأهمها أن الزيادة الكبيرة في عدد سكان الأرض مع غياب العدالة في توزيع الموارد والثروات، تدفع الأوضاع إلى الصراعات والحروب، لا سيما عندما يصبح التنافس بين القوى المختلفة فعلاً متطرفاً لا يؤمن بالتعاون البنّاء أو بالمصير المشترك. وإذا استمر هذا النهج في السنوات القليلة المقبلة على هذا النحو، فإن العواقب ستكون سيئة، وليست في مصلحة أحد، ولكن العمل على تعديل السياسات العرجاء، والبحث عن أطر للتعايش والتضامن بين كل الناس، سيسمحان بتذليل كل العقبات على الأرض، ويضمنان حق الحياة والكرامة للجميع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/54c2pu6s

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"