عادي
رداً على فتاوى متشددة

علماء: الإسلام يرتقي بالفنون ويهذبها

22:43 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني
يتوهم البعض أن الإسلام يعادي الفنون ويضع قيوداً على الإبداع بكل صوره وأشكاله، وانطلاقاً من هذا الاعتقاد الخاطئ امتلأت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي بفتاوى متشددة تجاه فنون الطرب والموسيقى والتمثيل والرسم والنحت وغيرها، وهو ما يُحمِل الإسلام مواقف عدائية تجاه الفنون بكافة أشكالها وصورها.

الصورة

يؤكد د. شوقي علام مفتي مصر، أن الإسلام يرحب بكل أدب ملتزم، وبكل فن راق، هدفه إمتاع الإنسان ذهنياً، والارتقاء بمشاعره، وتهذيب أحاسيسه، فلا اعتراض عليه، ولا رفض له.. موضحاً أن الموقف الإسلامي الصحيح من كل الفنون والآداب ومظاهر الإبداع التي تحقق هذه الأهداف هو الترحيب والتشجيع.

ويضيف: هذه الآداب والفنون مهمة جداً لحياة الإنسان حياة سوية تغلفها البهجة والسعادة، شريطة ألا يؤدي الانشغال بتلك الفنون إلى صرف الإنسان عن واجباته الدينية والدنيوية، أو إثارة غرائزه وشهواته.

ويوضح أن من الخطأ إطلاق تعبير الفن والإبداع على ممارسات خاطئة تهدم ولا تبني، وتخرج بالإنسان عن الإطار الصحيح للفن الهادف، لأنها في هذه الحالة تصبح لوناً من العبث واللهو المرفوض، وهذا أمر لا يقره الإسلام لأن هدف الإسلام هو بناء الإنسان نفسياً وبدنياً ليكون لبنة في صرح مجتمع قوي يستطيع أن يرقى بحياة كل أفراده، وليس مجتمعاً عابثاً كل حياته لهو وعبث وفوضى تحت شعار الفن.

ويرفض مفتي مصر فتاوى وسلوك المتشددين الذين يجسدون صورة كئيبة ومنفرة للإسلام، ويقول: كل محاولة من جانب بعض المتشددين لفرض حياة كئيبة ومتجهمة على حياة المسلمين مرفوضة ومدانة، والتطرف في التعامل مع الفنون والآداب وصور الإبداع ووسائل الترفيه مرفوض من كل علماء المسلمين لأنه يعكس صورة غير صحيحة ومشوهة لتعاليم ديننا العظيم الذي جاء متوازناً ومستوعباً لكل ما يحتاج إليه الإنسان ليعيش حياة جيدة، ويكون قادراً على العمل والإنتاج، في مجتمع متحضر يستمتع بكل المباحات، ويوظف كل فن راق للارتقاء بحياته ومشاعره ووجدانه.

الإسلام وإنسانيته

يؤكد د. نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، أن الإسلام لا يمكن أن يعادي الفنون، أو يصادر الإبداع، لأنه دين واقعي ينظر إلى الإنسان نظرة واقعية وتعاليمه وآدابه وأخلاقياته ترسم له حياة متوازنة مستقرة تحقق له طموحاته، فالإنسان- كما تعلمنا على يد علمائنا مكون من جسد وروح، ولكل من العنصرين متطلباته، ولابد أن يستمتع كل إنسان بحياته ويشعر ببهجتها حتى يكون قادراً على العمل والإبداع في مجال تخصصه من أجل الارتقاء بحياته وتحقيق طموحاته أولاً.. ثم خدمة ورقي مجتمعه بعد ذلك.

ويقول: «الإسلام يتعامل مع الإنسان بمنهج وسطي معتدل، ويلبي له كل احتياجاته النفسية والبدنية حتى لا ينفلت ويعيش حياة الفوضى والعبث، ويحقق له أقصى درجات السعادة والاستمتاع بمباهج الحياة بكل ما هو حلال ومشروع ومفيد لنفسه وجسده، ونتيجة هذه النظرة الموضوعية أن يستقر نفسياً ويستفيد بدنياً، وبالتالي يعبد ربه خير العبادة، ويعمل وينتج ويحقق مطالب أسرته، ويسهم في تنمية ورقي مجتمعه، ويعطي لكل من يحيط به أفضل ما يكون العطاء».

ويوضح أن الإسلام يرتقي بالإبداع ويحلق به إلى عنان السماء شريطة أن يلتزم المبدع بقيم الدين وأخلاقياته، حيث لا قيمة لإبداع يصدم المشاعر والعواطف الدينية للناس، ولا أهمية لإبداع يحرض من يتلقاه على التحرر من القيم الضابطة للسلوك، فواجب المبدع أن يرتقي بمشاعر الناس، ويرسخ احترام الأديان، ويوظف أدبه أو إبداعه لخدمة الرقي الإنساني وليس الإسفاف الفكري والسلوكي كما نرى في سلوك بعض أدعياء الإبداع.

الأزهر.. والفن

وعن موقف الأزهر من الفنون عامة، يقول د. نظير عياد: موقف الأزهر هو موقف الإسلام الوسطي المعتدل، ومؤسسة الأزهر على مرّ تاريخها ترعى الإبداع وتدعمه وتشجع عليه، من خلال ما تقدمه من أنشطة متنوعة في مجالات الفنون الهادفة، ولذلك فالأزهر مع كل فن هادف، وكل إبداع حقيقي يستهدف الارتقاء بمشاعر الإنسان، ولا يخوض في أعراض الناس، ولا يقدح في السلوكيات السليمة، أو يدعم السلوكيات الهابطة.

ويؤكد د. عبدالله النجار، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أن موقف الإسلام من الفنون والآداب ومظاهر الإبداع واضح جلي، فهو لا يصادر فناً من الفنون الإبداعية، والحكم على أي نشاط فني أو إبداعي من منظور الإسلام ينطلق من مضمونه وأهدافه.. ويقول: ترحيب الإسلام بدراسة كل الفنون الحديثة، وتدريس الأشكال الفنية من حيث هي أدوات للتعبير واضح، ذلك أن الإسلام في حقيقته دين يرقى بالمشاعر ويهذب السلوك، ويرحب بكل ما يحقق للإنسان السعادة، ويرتقي بمشاعره، وينمي شعوره بالجمال، ويدفعه إلى المزيد من العمل، فالفنون ليست مطلوبة لذاتها، بل لها وظيفة تؤديها، وأهداف تسعى إليها.

ويشير إلى أن الدارس لشريعة الإسلام والقارئ لأحكامها ومبادئها وتعاليمها بإنصاف وتجرد من الهوى يدرك أن الإسلام لا يمكن أن يكون له موقف معاد للفنون، فالإسلام دين يحب الجمال ويدعو إليه في كل شيء، والنصوص القرآنية والنبوية تحث المسلم على الإبداع، وممارسة الإبداع الشكلي والسماعي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله جميل يحب الجمال»، وهناك معيار إسلامي للحكم على أي فن من الفنون يتمثل في قاعدة تقول (حسنه حسن وقبيحه قبيح)، والقرآن الكريم في العديد من آياته يلفت الأنظار إلى ما في الكون من تناسق وإبداع وإتقان، وما يتضمنه ذلك من بهجة وسرور للناظرين، ومن هنا لا يمكن أن يرفض الإسلام فناً جميلاً، لكن إذا اشتمل القول أو الشكل على القبح بما يعنيه ذلك من قبح مادي ومعنوي؛ فإن الإسلام يرفضه ولا يوافق عليه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ybp6dffx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"