عادي

العلوم تكتب شهادة وفاة الفلسفة

19:46 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

ربما يخطر على بال البعض أن الفلسفة في طريقها إلى النهاية، أو أنها مهددة بالموت، بل ربما يتوهم بعض المتشائمين أن الفلسفة ماتت بالفعل، وأن العلوم الطبيعية، على اختلافها، هي التي كتبت لها شهادة وفاة، ولا يشك أحد أن العلوم الطبيعية تحتل مكانة بارزة في حياتنا، فهي التي تشكل نظرياتنا التي على أساسها نتعامل مع العالم المعقد بظواهره وكائناته وأشيائه.

إضافة إلى تقديم العلوم الطبيعية حلولاً لمشكلاتنا التي تواجهنا على اختلافها، لم تعد العلوم سجينة المختبرات المغلقة على علمائها، أو سجينة مجموعة خاصة من النظريات الغارقة في المعادلات الرياضية، الحقيقة التي لا يستوعبها إلا نخبة من العلماء، يعبرون عن وجهة نظر المجتمع العلمي، والتي تكون في الغالب وجهة نظر نخبوية معقدة لن يفهمها سواهم.

يتساءل د. خالد قطب في كتابه «حوار العلم والفلسفة.. مقاربة جديدة في فلسفة العلم»: «إذا كانت العلوم قادرة على مواجهة التحديات وحل المشكلات وتحقيق النفع للإنسان والطبيعة معا، فلماذا إذن الحاجة إلى الفلسفة خاصة إذا كانت العلوم تقوم بهذه المهمة؟، ويجيب بأن هذا التساؤل مشروع بالنسبة للمتشككين في جدوى الفلسفة، خاصة عندما يزعمون أن الفلسفة لم تفعل ما فعلته العلوم، طوال تاريخها الممتد لآلاف السنين، ولم تواجه التحديات التي واجهت الإنسان طوال تاريخه، ولم تقدم حلولاً نافعة للإنسان».

يعكس الإعلان عن احتضار الفلسفة أو موتها، عجز بعض المقاربات الفلسفية عن فهم المستجدات، التي تطرأ كل يوم على العلوم، فقد زعمت بعض هذه المقاربات أن الفلسفة لا ينبغي أن تلتفت إلى الموضوعات والمشكلات والقضايا، التي يثيرها نمو العلوم وتطورها، كون هذه الموضوعات والقضايا لا تدخل ضمن المباحث التقليدية التي تبحثها الفلسفة، ويعني الإعلان عن موت الفلسفة أو نهايتها من جهة أخرى، سيادة أيديولوجيا مغرورة توهم مريديها أن الفلسفة قد اكتملت، ووصلت إلى ذروتها، ولم تعد في حاجة إلى بذل المزيد من الجهد للانفتاح على المعارف الأخرى، وهي دعوة أسهم في ترسيخها بعض الفلاسفة.

  • اكتمال

على سبيل المثال– كما يرى المؤلف– فإن هيجل أعلن عن اكتمال الفلسفة أو نهايتها، عندما أصبح العقل الكلي أو الروح المطلقة من وجهة نظره الأيديولوجية، متحققاً في العالم الجرماني، الذي هو عالم حر، في حين تفتقر العوالم الأخرى كالشرقية والإغريقية، لمثل هذه الحرية، وقد أسهم كارل ماركس في توطيد دعائم هذا الإعلان بموت الفلسفة أو نهايتها، تمهيدا لسيادة الأيديولوجيا، عندما أعلن نهاية الفلسفة الحالمة، التي كبلت الإنسان بأوهام، سيطرت على فكره وسلوكه، لكي يفسح المجال أمام المادية الجدلية، لتكون المرحلة الأخيرة من مراحل تطور الفكر الفلسفي.

ولا يمكن إنكار الدور الذي لعبته الاتجاهات الوضعية والوضعية المنطقية، والتجريبية في الفكر الغربي الحديث، وانعكاساتها في الفكر العربي، حيث وجدت هذه الاتجاهات في الفيزياء (خاصة في صورتها المادية الحتمية) الملجأ والخلاص، من التحديات التي تواجه الإنسان، وعجزت الفلسفة عن مواجهتها أو حلها، ومن ثم ليس هناك داع لوجود الفلسفة أصلاً، وحتى لو وجدت فإن الدور المنوط بها هو دور الخادم، الذي يحرص دوماً على خدمة سيده وإرضائه، والسيد هنا هو علم الفيزياء.

يشير المؤلف إلى أن تطور العلوم الطبيعية وتقدمها، دفع بعض الفلسفات إلى التغيير من طبيعة خطابها الفلسفي، في محاولة منها التوجه صوب مقاربة قضايا ومشكلات فلسفية بمنهجية جديدة، وتقديم تصورات وأفكار أكثر التصاقاً بقضايا ومشكلات وتساؤلات الواقع المعيش، منها فلسفة العلم حيث كشفت المقاربات الجديدة في هذه الفلسفة إمكانية مد جسور التواصل بين المعارف الفلسفية والعلمية، لتجاوز الهوة السحيقة، التي نظّر لها بعض مثقفينا في واقعنا الثقافي العربي.

  • حوار دائم

قد يبدو الأمر مختلفاً في العلوم مقارنة بالفلسفة، إذ يعتقد الناس أن الأفكار التي يطرحها العلماء هي أفكار صحيحة، على الرغم من أن الفلاسفة قد يطرحون نفس الأفكار، ولكن بمصطلحات ومفاهيم مختلفة، ويظل الانطباع بأن الأفكار التي يطرحها العلماء أكثر قيمة وفاعلية، مقارنة بالأفكار التي يطرحها الفلاسفة، حتى لو طرحت الفلسفة القضايا نفسها، التي تطرحها العلوم، أو قضايا مشابهة لها من المنظور الفلسفي.

ربما ساد في تاريخ الفلسفة، الذي هو تاريخ العقل البشري المتأمل والمبدع للأفكار والتصورات، هذا التصور التقليدي الذي يعطي قيمة للعلوم أكثر من الفلسفة، إلا أن هذا الوضع قد تغير في العقود القليلة الماضية، عندما وجهت بعض المقاربات الفلسفية اهتمامها إلى الإنسان صانع المعرفة، الأمر الذي جعل الفلسفة في حوار دائم مع نفسها من جهة، ومع فروع المعرفة الأخرى المغايرة من جهة أخرى، ومع قضايا ومشكلات تخص واقع الإنسان وحياته اليومية وتطلعاته المستقبلية من جهة ثالثة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p89zuzr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"