عادي
تشايلد أبرز الفنانين الأمريكيين في أوائل القرن ال20

حساسية الشكل واللون في «يوم ممطر في بوسطن»

23:58 مساء
قراءة 4 دقائق
فردريك تشايلد
يوم ممطر في بوسطن

الشارقة - عثمان حسن

فريدريك تشايلد هسام (1859 - 1935) رسام انطباعي أمريكي ولد في بوسطن، اشتهر بمشاهده الحضرية والساحلية. أنتج أكثر من 3000 لوحة زيتية، وألوان مائية، ونقوش، ومطبوعات حجرية خلال حياته المهنية، وكان من أبرز الفنانين الأمريكيين المؤثرين في أوائل القرن العشرين.

امتاز ببشرة داكنة، حيث اعتقد الكثيرون أنه من أصول شرق أوسطية، أظهر فريدريك تشايلد اهتماماً مبكراً بالفن، وقد تلقى دروسه الأولى في الرسم والألوان المائية أثناء التحاقه بمدرسة ماذر، حيث درس فن النقش على الخشب، ووجد عملاً مع النحات جورج جونسون. وسرعان ما أثبت أنه «رسام» ماهر، كانت وسيلته المفضلة هي الألوان المائية، ولكنه في نحو عام 1879 بدأ بالرسم بالألوان الزيتية.

في عام 1882 أصبح تشايلد رساماً حراً، وأنشأ أول استوديو له. تخصص في رسم قصص الأطفال لعدة مجلات بينها «هاربر ويكلي» ومجلة «القرن»، كما واصل تطوير أسلوبه الفني أثناء حضوره دروس الرسم في معهد لويل وفي نادي بوسطن للفنون. وفي عام 1883 عرض أول تجربة فنية بالألوان المائية في معرض ويليامز وإيفريت في بوسطن. وفي العام التالي، أقنعته صديقته سيليا ثاكستر بإسقاط اسمه الأول، وأصبح يُعرف بعد ذلك باسم «تشايلد هسام». كما بدأ بإضافة رمز الهلال أمام توقيعه، ربما كإشارة توحي بأصوله شرق الأوسطية أو التركية.

نصحه صديقه وزميله عضو نادي بوسطن للفنون، إدموند غاريت، بالانضمام إليه في «رحلة دراسية» لمدة شهرين إلى أوروبا خلال صيف عام 1883. وجالا في جميع أنحاء المملكة المتحدة، وهولندا، وفرنسا، وإيطاليا، وسويسرا، وإسبانيا، حيث قاما بدراسة تجربة الأساتذة القدامى في رسم الألوان المائية للريف الأوروبي. أُعجب تشايلد بشكل خاص بالألوان المائية التي رسمها جي إم دبليو تورنر، فرسم 67 لوحة مائية خلال هذه الرحلة شكلت أساس معرضه الثاني في عام 1884. خلال هذه الفترة، قام بالتدريس في مدرسة كاولز للفنون. كما وسع اتصالاته مع المجتمع الفني، الذي شمل عدة فنانين ونقاد بارزين، كما رسم واحدة من أروع لوحاته الفنية (يوم ممطر.. بوسطن) في 1885 التي تجلت فيها براعته في تكوين مشهد انطباعي رصين يجسد خصوصية أسلوبه في الرسم.

اللوحة

تذكرنا اللوحة المبهجة (يوم ممطر في بوسطن)، الموجودة اليوم في متحف توليدو للفنون في أوهايو/ الولايات المتحدة الأمريكية، بالمؤثرات التي قادت إلى حد كبير مسيرة فريدريك تشايلد المهنية، واللوحة ذات تشابه ملحوظ مع (شارع باريس 1877) وكانت واحدة من عدة لوحات رسمها داخل هذه المدينة، مثل لوحة «عند الغسق»، وفي هذه اللوحة يستغرق المُشاهد في تمعّن منظراً تأسس على الانطباعية، ويعرض ذوقه الخاص لبوسطن من خلال اعتنائه باللون ونعومة الشكل. قام معرض أوهايو الذي يمتلك هذه القطعة الفنية بشرائها منذ بضعة عقود بأموال تبرع بها الجمهور بسخاء، ولا تزال واحدة من أبرز معالم مقتنيات المعرض الرائعة.

في هذه اللوحة، نجد شارعين متقاربين، حيث تشق عدة شخصيات طريقها صعوداً وهبوطاً في هذين الشارعين، بعضهم بالعربات وبعضهم الآخر سيراً على الأقدام. التفاصيل تعطينا فكرة ممتازة عن حياة الأمريكيين في أواخر القرن التاسع عشر. ورغم أن الانطباعيين لا يستخدمون نفس المستوى من التفاصيل تماماً مثل الواقعيين إلا أنه لا يزال بإمكان المرء أن يفهم الكثير من خلال «الانطباعات» التي يقدمونها. اعتمد فريدريك تشايلد على التقنيات الأوروبية في هذه اللوحة ليقدم نسخة فنية أمريكية، وحقق من خلالها قدراً كبيراً من النجاح في ذلك الوقت. كانت مناظر المدينة شائعة في عمل تشايلد كما يبرز في هذه اللوحة الآسرة، من خلال محاولاته لدراسة والتقاط التأثير المتغير للفصول والطقس، وفي اللوحة نحن أمام مشهد يُظهر بوضوح قطرات المطر التي تنهمر على الشارع، ويعمل المطر الذي يغمر الطريق على تشتيت الضوء عبر اللوحة. لم يفقد تشايلد أبداً اهتمامه بدراسة هذه التأثيرات، كما في لوحات أخرى له استخدم فيها تأثيرات الضوء الباهت، والثلج، والرياح.

يعتقد أن مكان هذه القطعة الفنية في بوسطن هو تقاطع شارع كولومبوس (على اليسار) وشارع أبليتون، وبطبيعة الحال، كانت تلك المنطقة من المدينة من بين أكثر المناطق ثراء في ذلك الوقت، ولذلك اختار الفنان تصوير السكان الأكثر ثراء عندما قرروا العبور من هذه النقطة بالذات، لقد كانت بالتأكيد من أكثر المناطق هدوءاً مقارنة بمناطق أخرى تعج بالناس والمركبات. يمنح الشارعان المتقاربان زاوية واسعة لهذه القطعة الفنية التي كانت أيضاً عبارة عن تركيب فني مثير للاهتمام، كما كان هذا الموقع موقعاً جاذباً لكثير من المصورين الفوتوغرافيين والمجتمع بشكل عام. أنجز تشايلد هذه اللوحة بأبعاد (66.3 سم و122 سم)، وقد تم إعارتها للمشاركة في معارض مختلفة من قبل متحف أوهايو مرات كثيرة، في الثمانينيات والتسعينيات.

بوسطن

بحلول منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر، بدأ تشايلد برسم مناظر مدينة بوسطن وانضم إلى عدد قليل من الفنانين الأمريكيين التقدميين الذين أخذوا على محمل الجد نصيحة الأستاذ الأكاديمي الفرنسي جان ليون جيروم، برسم ما تراه العين ويعكس طبيعة الحياة، كان جيروم قد شبه جسر بروكلين ب«كولوسيوم» روما، وأن أمريكا الحديثة رائعة مثل قطعة من العصور القديمة. درس تشايلد الرسم والتلوين في فرنسا في أكاديمية جوليان المرموقة، واستفاد من دروس الرسم الرسمية مع جوستاف بولانجر وجولز جوزيف لوفيفر، لكنه سرعان ما انتقل إلى الدراسة الذاتية، ووجد أن أكاديمية جوليان هي تجسيد للروتين الذي يسحق الأصالة، ومال إلى طريقة خاصة في الرسم كما يتجلى في عمله الشهير «يوم ممطر في بوسطن».

كان تشايلد فناناً منفتحاً وقوياً ومتواضعاً في نظر زملائه الرسامين، لكنه كان شرساً أمام معارضيه، وقد تأثر بشكل خاص بدائرة الفنان الأمريكي ويليام موريس (1824 - 1879) الذي أحب رسّام المناظر الطبيعية الفرنسي الكبير جان بابتيست كاميل كورو، وشدد على تقليد حركة الباربيزون وعقيدتهم القائلة بأن الجو والأضواء هما أكبر الأشياء وأهمها في رسم المناظر الطبيعية.

سلسلة العلم

تشمل الأعمال الأكثر تميزاً وشهرة في حياة تشايلد اللاحقة مجموعة من نحو ثلاثين لوحة تعرف باسم «سلسلة العلم»، بدأها في عام 1916 عندما استوحى إلهامه من استعراض يجسد مشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى في 1916، أقيم في الجادة الخامسة في نيويورك، وشارك الآلاف في هذه المسيرات التي استمرت لأكثر من اثنتي عشرة ساعة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yjp7cemb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"