رعب الواقع لا الخيال

01:03 صباحا
قراءة دقيقتين

أراد المرء أم لم يرد، فإن مطالعته تقريراً يعرض نتائج دراسة عن المشهد الأكثر رعباً في السينما، تحمله فوراً على التساؤل: أنى لرعب السينما، مهما اشتدّ، أن يبلغ الرعب الحقيقي الذي يعيشه البشر، على الأخص في حال الكوارث كالحروب والزلازل وغيرها، وإذا كان الفريق الذي قام بالدراسة المذكورة قد استعان بتقنيات لقياس الرعب الذي تسببه بعض مشاهد السينما في النفوس، فكيف يمكن قياس، أو حتى مجرد وصف، الرعب الحقيقي الذي يعيشه البشر، كما يعيشه أهل قطاع غزة مثلاً ليلاً نهاراً في الوقت الحالي؟

قام واضعو الدراسة عن رعب السينما بتزويد مجموعة من المشاركين بأجهزة لمراقبة معدل ضربات القلب أثناء مشاهدتهم أفلام الرعب، ما سمح للباحثين بمعرفة أي الأفلام تزيد من الخوف والإثارة، ليخلصوا إلى أن المشهد الأكثر رعباً ظهر في فيلم «Insidious»، والفيلم الأكثر رعباً على الإطلاق هو «Sinister»، للمخرج سكوت ديريكسون، عام 2012، على الأقل خلال الفترة التي غطاها البحث وهي السنوات الأربع الماضية، وفي تلك التجربة جرى قياس تباين معدل ضربات القلب في الوقت بين كل نبضة، فكلما انخفض تباين معدل تلك الضربات، زاد الضغط على الجمهور، وهو مؤشر على اشتداد الخوف والرهبة البطيئة.

لا نعلم ما معيار التفريق بين «الرهبة البطيئة» التي يشير إليها التقرير والرهبة السريعة، حين نلج الواقع ونبعد عن خيال السينما، بل لعل ذلك التفريق لا أهمية له، وقد يدخل في باب الفذلكة، خاصة حين نقرأ تقريراً نشره الموقع السويسري (SWI)، ينقل وصف الأطباء لحالة الرعب التي سادت بعد انفجار المستشفى الأهلي في غزة، الذي يبلغ عمره أكثر من مئة عام، وينقل التقرير عن فضل نعيم رئيس قسم جراحة العظام في المستشفى أنه كان قد انتهى للتو من إجراء عملية جراحية عندما سمع دوي انفجار ضخم وامتلأ قسمه بأناس يصرخون: «الحقونا، الحقونا»، فامتلأ المستشفى بالقتلى والمصابين وبجثث تقطعت أوصالها، ويضيف: «حاولنا إسعاف من يمكن إسعافه لكن العدد كان أكبر بكثير من أن يقوم طاقم المستشفى المحدود بإسعافهم، وصبغت الدماء الجدران والأرض، فيما تناثرت أشلاء الأطفال في مكان عادة ما كان هادئاً ويساعد المرضى على التعافي».

وعن طبيب آخر يحمل الجنسية البريطانية ينقل التقرير قوله إن المستشفى كان يهتز طوال اليوم بسبب القصف، وإنه سمع صوت صاروخ قبل انفجار ضخم ثم انهار سقف غرفة العمليات فوقه هو وباقي الطاقم الطبي، فيما كان يرى في الباحة الجثث والأطراف في كل مكان، وعالج رجلاً بترت ساقاه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y55w23ar

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"