عادي

تونس.. سقوط «المتاجرين بالسياسة»

23:22 مساء
قراءة 4 دقائق
عناصر من الشرطة التونسية تحرس أحد مركز الاقتراع قرب العاصمة تونس (ا ف ب )

د. محمد عزالعرب *

يتمثل التوجه الرئيسي في الساحة التونسية، في المرحلة الحالية، في غياب الطلب على السياسة، لا سيما في ظل سياقات محفزة لذلك، تتمثل في خنق تأثير حركة النهضة عبر سجن قياداتها وكوادرها، والانشغال بمواجهة محاولات التآمر على الدولة، ومقاطعة الأحزاب الرئيسية انتخابات المجالس المحلية المقررة في ديسمبر/كانون الأول المقبل، وهو ما يمكن توضيحه تفصيلاً.

يعد خنق «حركة النهضة» أحد مؤشرات ضعف الطلب على الانشغال بالسياسة في البلاد، لا سيما بعد القبض على عدد من قيادات الحركة، مثل راشد الغنوشي، إذ قررت محكمة الاستئناف رفع عقوبة الحبس ضد الأخير من 12 شهراً إلى 15 شهراً بتهمة التحريض ضد قوات الأمن وتمجيد الإرهاب، فضلاً عن غرامة مالية قدرها 1000 دينار ومراقبة إدارية لمدة 3 سنوات، في قضية ما يعرف ب«الطاغوت»، إذ إن القضية تعود إلى فبراير/شباط 2022، عندما استخدم الغنوشي كلمة «طاغوت» لوصف قوات الأمن، خلال تأبين عضو مجلس الشورى في حركة النهضة فرحات لعبار.

كذلك يقبع كل من على العريض ونور الدين البحيري، نائبا الغنوشي، في السجن؛ حيث تم تمديد مدة إيقافهما بعد توجيه تهم محددة لهما، وهي التآمر على أمن الدولة، وتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر في الخارج، وتلقي تمويلات مالية مشبوهة من دون إثبات مصدرها.

وفي 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدرت المحكمة الابتدائية بتونس حكماً ابتدائياً غيابياً لمدة خمسة أعوام مع التنفيذ العاجل في حق رفيق عبدالسلام وزير الخارجية التونسي السابق والقيادي في حركة النهضة، وذلك على خلفية اتهامه بنشر أخبار زائفة، والإساءة إلى غيره، عبر مواقع التواصل الاجتماعي. حيث نشر عبدالسلام في الأول من فبراير/شباط 2022 تدوينة، اتهم فيها الدولة التونسية باستعمال مدخرات موظفي البريد لدفع أجورهم، بسبب شح السيولة المالية، وعدم قدرة الدولة على توفير الأجور.

الجهاز السري

كما تم تجميد الحسابات البنكية والأرصدة المالية لعدد من القيادات السياسية لحركة النهضة، وأبرزهم الغنوشي وصهره رفيق عبدالسلام ونجله معاذ الغنوشي، وكذلك حمادي الجبالي رئيس الحكومة السابق. علاوة على ذلك، قرر القضاء التونسي إحالة ملف الجهاز السري لحركة النهضة إلى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في سبتمبر/أيلول 2023، إذ يعد ملف الجهاز السري من أكثر الملفات التي شغلت الرأي العام التونسي، الذي يطالب بمعرفة وكشف حقيقة الاغتيالات السياسية والهجمات الإرهابية التي عرفتها البلاد بعد الثورة، وأبرزها اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

المؤشر الثاني هو الانشغال بمواجهة التآمر على الدولة، من الداخل والخارج، وهو ما يأتي في سياق محاولات النيل من هيبة الدولة ومؤسساتها السيادية وبينها المؤسسة الأمنية، وفقاً لتصور الرئيس قيس سعيّد، إذ صارت تلك المهمة الشاغل الرئيسي للقيادة السياسية في تونس، لا سيما بعد فرار خمسة من المدانين بالإرهاب والاغتيال السياسي ومواجهة قوات الأمن بالسلاح وتهديد أمن البلاد من سجن المرناقية قرب العاصمة تونس، قبل أن يتم القبض عليهم لاحقاً تمهيداً لإعادة محاكمتهم في قضايا تصل عقوبتها إلى المؤبد والإعدام.

وفي هذا السياق، نفى الرئيس سعيّد في كلمة قصيرة مسجلة بثها التلفزيون الحكومي أن يكون الأمر متعلقاً بحادثة فرار من السجن بل بعملية تهريب، دبرتها عصابات لم يكشف عن هويتها، لكنه أورد أنها لا تتورع أن ترتبط مع جهات تتآمر على الدولة، وتحاول النيل من وحدتها الوطنية، ولا تتورع أن تتعاون مع جهات استعمارية صهيونية عالمية. وتبعاً لذلك، فقد أقال وزير الداخلية كمال الفقي في 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتم إنهاء مهام المدير العام للمصالح المختصة والمدير المركزي للاستعلامات العامة التابعين للإدارة العامة للأمن الوطني. كما أقالت وزيرة العدل ليلى جمال أيضاً مدير السجن المدني «المرناقية».

رموز المعارضة المدنية

المؤشر الثالث يتعلق بالقبض على رموز المعارضة المدنية، وتحديداً رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي، والتي توجهت إلى مكتب الضبط بالقصر الرئاسي من أجل تقديم طعون في المراسم الرئاسية المتعلقة بتقسيم تونس إلى أقاليم، وتنظيم انتخابات المجالس المحلية التي عارضتها، بحيث تواجه مجموعة من التهم؛ أبرزها إثارة الفوضى على التراب التونسي، ومعالجة معطيات شخصية من دون إذن صاحبها، وتعطيل حرية العمل، مع الأخذ في الاعتبار أنها قادت مع حزبها خلال الأشهر القليلة الماضية احتجاجات منتظمة ضد الرئيس قيس سعيد، دائبة على وصفه ب«الحاكم بأمره»، ومعتبرة قراراته «غير قانونية».

وهنا تجدر الإشارة إلى أن عبير كانت تعد من أنصار الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وأعلنت في مرحلة سابقة ترشحها في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024. وقالت: «إنها انتخابات لم يقررها الشعب التونسي ولم يطالب بها، ولا علم له بحجم خطورتها على وحدته وأمنه، وهي ملطخة بمجزرة قانونية وسياسية وإنسانية في حق رئيسة الحزب الدستوري الحر، بهدف إخراس صوتها»، وفق تعبيرها. وفي سياق متصل، تنظر عدد من الهيئات القضائية الملفات الأمنية لبعض زعماء جبهة الخلاص المعارضة، وفقاً لما تشير إليه بعض التقارير الصادرة عن وسائل إعلام محلية تونسية.

في حين يتصل المؤشر الرابع بمقاطعة الأحزاب الرئيسية انتخابات المجالس المحلية: فعلى الرغم من وجود مؤشرات توحي بأعداد ليست بالقليلة للترشح في انتخابات المجالس المحلية، المقررة في 24 من ديسمبر/كانون الأول المقبل، غير أن التحدي الرئيسي الذي عبّرت عنه هيئة الانتخابات هو ضعف المشاركة التصويتية، وتكرار نفس نسب المشاركة التي سجلت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث لم تتجاوز 11.5%. وفي هذا السياق، أعلنت الأحزاب والحركات الرئيسية، مثل النهضة والعمال والدستوري الحر مقاطعتها للمشاركة في انتخابات المجالس المحلية، لأنها رافضة المسار السياسي الذي اتخذه الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021.

تثبيت المشروع

خلاصة القول أن الشواهد الأربعة السابقة تعبّر عن تواصل مشروع الرئيس قيس سعيد، وقدرته على إزاحة أي معوقات قد تواجهه، سواء من قبل قوى المعارضة الدينية والمدنية، أو من داخل جهات بالدولة، مرتبطة أو متحالفة مع أنظمة سابقة، سواء حركة النهضة أو حكم الرئيس زين العابدين بن علي، في الوقت الذي تواجه البلاد أوضاعاً اقتصادية ضاغطة وتهديدات أمنية حادة.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc5zwkv2

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"