تقرير الوظائف المثير للقلق

22:13 مساء
قراءة 4 دقائق

ريان ماكماكين *

ربما كانت الأرقام الواردة في تقرير الوظائف الأمريكي الأخير، الذي أضاف 150 ألف وظيفة، من بين أفضل الأخبار التي يمكن تتبعها في هذا الوقت. ولكن بمجرد أن نتعمق أكثر في التفاصيل، نجد أدلة واضحة على أن قوة الوضع الوظيفي المشار إليها مبالغ بها إلى حد كبير، في وقت تسلط فيه الكثير من المؤشرات الضوء على مشاكل في الاقتصاد المتوتر بالفعل، وما نجم عنه من حالات إفلاس متزايدة، وتراكم في الديون، وسحق للمدخرات.

لقد شغلت الوظائف الحكومية أكثر من ثلث نمو العمالة الجديدة في تقرير أكتوبر/تشرين الأول. وعلى وجه الدقة، كان هناك 51 ألف وظيفة حكومية جديدة من بين 150 ألفاً تم خلقها الشهر الماضي. وبالنظر إلى النمو في الوظائف الحكومية الجديدة مقارنة بالإجمالي، فإن معدل أكتوبر البالغ 34% يعد الأعلى منذ 2010، حين أظهر شهر يوليو/تموز من ذلك العام نسبة أعلى من الوظائف الحكومية محركاً لخلق فرص عمل جديدة. عدا عن أن الاتجاه خلال العامين الماضيين كان تصاعدياً بشكل واضح، حيث اعتمدت البيانات الجيدة للوظائف أكثر فأكثر على النمو في الحكومية منها لتحقيق إجمالي التقارير «الضخمة» التي شهدناها في عامي 2021 و2022.

علاوة على ذلك، صحيح أن المسح الأخير (الخاص بالمنشآت) أظهر نمواً فعلياً في الوظائف، لكن البيانات غير الرسمية (الخاصة بالأسر) أظهرت انخفاضاً فعلياً بمقدار 348 ألف شخص على أساس شهري في العدد الإجمالي للأشخاص العاملين. وهذا أكبر تراجع شهري في عدد العاملين منذ إبريل/نيسان 2020 في ذروة «كوفيد- 19». مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفجوة بين المسحين آخذة في الاتساع بشكل واضح منذ أوائل عام 2022، لتبلغ الشهر الماضي 2.6 مليون شخص.

وتشير هذه الفجوة أيضاً إلى أن المزيد من العمال يشغلون اليوم وظائف متعددة. وهو ما أظهرته بالفعل أحدث البيانات ذات الصلة. وبطبيعة الحال، يمكن أن يكون شغل العديد من الوظائف علامة على الازدهار، كما كانت الحال في عامي 2007 و2019. لكن، في اقتصاد يتسم بتضخم الأسعار الراسخ كما هي الحال الآن، يُنظر إلى هذه الظاهرة على أنها دليل على ازدياد ضغوط النفقات المعيشية. وهذا السيناريو الأخير معقول بالنظر إلى بيانات التوظيف التي أشارت أيضاً إلى استمرار التباطؤ في ارتفاع الأجور. فمتوسط الأجر في الساعة خلال أكتوبر ارتفع بنسبة 4.1% على أساس سنوي، وهي الزيادة الأكثر تباطؤاً في 29 شهراً.

ومن الأخبار السيئة الأخرى الواردة بين أسطر تقرير الوظائف، حقيقة أن «خدمات العمالة المؤقتة» قد تعمقت في المنطقة السلبية للشهر الحادي عشر على التوالي، منخفضة 6.1% على أساس سنوي. وهذا هو أكبر تراجع منذ حقبة «كوفيد- 19». مما يشير بقوة إلى أن الركود قادم، ففترات الركود الأربع الأخيرة سبقها نمو سلبي للوظائف المؤقتة.

ومع ذلك، تُصر وسائل الإعلام الخاصة بالشركات على توصيف الوضع الاقتصادي الراهن بأنه لا يمكن أن يكون أفضل مما هو عليه الآن. وعبارات مثل «ليس هناك ركود في الأفق» باتت هي المفضلة لهم. ومثال ذلك مقال نشرته مؤخراً صحيفة «وول ستريت جورنال» لغريغ آي بي حمل عنوان «الاقتصاد عظيم.. لماذا مزاج الأمريكيين معكر؟» ومثله الاقتصادي الأمريكي بول كروغمان، الذي أشار إلى أن الاقتصاد «جيد بالتأكيد».

بطبيعة الحال، تتجاهل مثل هذه التحليلات أرقاماً مثل خسارة 348 ألف وظيفة في شهر أكتوبر الماضي، ونمو الأجور الباهت تماماً. علاوة على ذلك، لا يوجد اعتراف يذكر بأن المستهلكين باتو على دراية تامة وتأثير مباشر بالتداعيات الحقيقية لتضخم الأسعار منذ أزمة كورونا. فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار المأوى بنسبة 17% منذ عام 2021، في حين زاد متوسط الدخل بنسبة 13% فقط. وفي العديد من الأسواق، يكون ارتفاع الأسعار أسوأ بكثير من ذلك.

في المقابل، يحاول المؤمنون الحقيقيون بمؤشر أسعار المستهلك أن يؤكدوا لنا أن تضخم الأسعار أصبح الآن تحت السيطرة الكاملة، وأن الأجور الحقيقية تتجه نحو الارتفاع. لكنهم نسوا أن الأجور الحقيقية انخفضت لمدة عامين كاملين من 2021 إلى 2023، وأن مؤشر أسعار المستهلك من المحتمل ألاّ يقيس الحجم الحقيقي لارتفاع الأسعار.

وفي جانب متصل، وضع الاحتياطي الفيدرالي نفسه في مأزق، وعليه أن يختار بين استمرار الضعف الاقتصادي والسماح للمزيد من تضخم الأسعار بنهب الاقتصاد. لذلك، اضطر المركزي لرفع أسعار الفائدة بشكل قياسي، متناسياً أن هذا قد يؤدي بطبيعة الحال إلى المزيد من حالات الإفلاس والقضاء على عدد لا يحصى من الشركات المتأرجحة بالفعل، والتي تعتمد على أسعار الفائدة المنخفضة للصمود. أما بالنسبة لتلك التي نجت، ستواجه خطر ديون أعلى وإمكانية وصول أقل لرأس المال، حيث أصبحت القروض التجارية الجديدة أكثر كلفة، ما يعني تسريح العمال وانخفاض الطلب على التوظيف.

فهل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي خطة سحرية لتوجيه الاقتصاد نحو الهبوط الناعم؟ بالطبع لا، حتى الآن على الأقل؛ بل على العكس لا يزال اقتصاديوه يزعمون أو يتوقعون الأفضل. مثلما حصل عام 2008، عندما تم إنكار حالة الركود على الرغم أنها كانت مستمرة لعدة أشهر.

في نهاية المطاف، يشكك كثيرون بتوقعات الفيدرالي الأمريكي، لأنها تخطئ دوماً في نشر الأخبار المبهجة حول الاقتصاد الأوسع.

* محرر تنفيذي في معهد ميزس

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr2zyb49

عن الكاتب

تنفيذي في «معهد ميزس»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"