المعروض النقدي الأمريكي

21:59 مساء
قراءة 4 دقائق

ريان ماكماكين *

انخفض نمو المعروض النقدي للولايات المتحدة إلى المنطقة السلبية للمرة الثانية في فبراير/شباط الماضي، وذلك بعد نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، والتي كانت المرة الأولى منذ ثمانية وعشرين عاماً.

وعلى أساس سنوي، كانت آخر مرة تراجع فيها المعروض النقدي، وهو الكمية الإجمالية للأصول النقدية المتاحة في اقتصاد ما وفي وقت محدد، إلى المنطقة السلبية في نوفمبر من عام 1994. في ذلك الوقت، استمر النمو السلبي لمدة خمسة عشر شهراً، قبل أن يتحول إلى إيجابي مرة أخرى في يناير/كانون الثاني عام 1996.

وخلال فبراير، بلغ النمو السنوي للمعروض النقدي (-6.6%)، وهو أقل من معدل يناير (-5.0%)، وانخفاضاً عن معدل نفس الفترة من عام 2022 والبالغ آنذاك (6.9%). ومع هذه المعدلات السلبية، يقترب انكماش المعروض النقدي من أكبر انخفاضات رأيناها منذ عقود. فلم يحدث في وقت من الأوقات طيلة ستين عاماً على الأقل أن انخفض المعروض النقدي للولايات المتحدة بأكثر من 5.6% في أي شهر.

ومقياس المعروض النقدي المستخدم هنا هو مقياس «روثبارد ساليرنو»، الذي طوره موراي روثبارد وجوزيف ساليرنو، وهو مصمم لتوفير بيانات أفضل لتقلبات عرض النقود من مقياس M2، ويختلف عنه من حيث شموليته لودائع الخزانة في الاحتياطي الفيدرالي، ويستثني الودائع قصيرة الأجل وصناديق أموال التجزئة.

إلى ذلك، يمكن أن يكون نمو المعروض النقدي في كثير من الأحيان مقياساً مفيداً للنشاط الاقتصادي، ومؤشراً على فترات الركود القادمة. فخلال فترات الازدهار الاقتصادي، ينمو المعرض النقدي بسرعة حيث تقدم البنوك التجارية المزيد من القروض. ومن ناحية أخرى، يسبق حالات الركود عادة تباطؤ في معدلات نمو المعروض النقدي.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن النمو السلبي في المعروض النقدي ليس مقياساً له مغزى بحد ذاته، لكن الانحدار إلى المنطقة السلبية التي شهدناها في الأشهر الأخيرة يكشف وبشكل واضح مدى وسرعة انخفاض نمو المعروض الذي يُعد بشكل عام علامة خطيرة للنمو الاقتصادي والتوظيف لأي بلد.

انخفض المعروض النقدي للولايات المتحدة الآن بمقدار 1.7 تريليون دولار، أو 8% منذ ذروة إبريل/نيسان 2022. وبالأرقام الأولية، يعتبر هذا بالتأكيد أكبر انخفاض شهدته البلاد. ولكنه من حيث النسبة المئوية، لا يتفوق على أمثاله في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات. فقد كان خلق الأموال (أو استحداثها) منذ عام 2009، وتحديداً منذ عام 2020، كبيراً جداً لدرجة أن انخفاضاً قدره 1 تريليون دولار يُعد صغيراً نسبياً. وعوضاً عنه، يجب أن ينخفض المعروض النقدي بمقدار 5 تريليونات دولار أخرى، أو أكثر من 25% للعودة إلى مستويات ما قبل عام 2009.

في الواقع، منذ عام 2009، تم استحداث 13.4 تريليون دولار إضافية من المعروض النقدي الأمريكي الحالي، الذي نما وفقاً لمقياس «روثبارد ساليرنو» بنسبة 200% إلى نحو 21 تريليون دولار، منها 5.8 تريليون منذ يناير 2020 (أو 28%). بعبارة أخرى، تم استحداث ما يقرب من ثلثي المعروض النقدي على مدار الثلاثة عشر عاماً الماضية.

وبالتالي، فإن انخفاضاً بنسبة ثمانية في المئة له تأثير طفيف إلى حد ما على كومة الأموال الضخمة التي تم إنشاؤها حديثاً. كما أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال يواجه عبئاً نقدياً كبيراً للغاية عبر السنوات الماضية، وهذا هو السبب جزئياً في أننا وبعد تسعة شهور من تباطؤ نمو المعروض، لم نشهد بعد تباطؤاً كبيراً في سوق العمل.

ومع ذلك، كان التباطؤ النقدي كافياً لإضعاف الاقتصاد إلى حد كبير. فانخفضت أسعار المساكن، وارتفعت ديون بطاقات الائتمان، وارتفعت معها حالات التأخر في سداد القروض الاستهلاكية، وانخفضت فرص العمل واضمحلت آفاق التصنيع.

ووسط هذه المعطيات، لم يكن مستغرباً أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي أخيراً حملة التشديد بعد أكثر من عقد من التيسير الكمي والتفاني العام في الحصول على المال السهل. وسمح الفيدرالي لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بالارتفاع إلى خمسة في المئة. وهذا يعني أيضاً ارتفاع أسعار الفائدة قصيرة الأجل بشكل عام. وفي مارس/آذار، على سبيل المثال، اقترب العائد على سندات الخزانة لمدة 3 أشهر من أعلى مستوى له منذ 16 عاماً.

وهذا يعني مشكلة لجميع الشركات وبنوك الزومبي التي أصبحت تعتمد بشكل كبير على المال السهل. فقد جعلت الفترة الطويلة من الأموال السهلة البنوك تعتمد بشكل كبير على سندات الخزانة طويلة الأجل منخفضة العائد، وعلى الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري.

ومع ذلك، أجبر التضخم العنيد الآن الفيدرالي على السماح بسلسلة متتالية من أسعار الفائدة المرتفعة مصحوبة بتقلص المعروض النقدي. لتجد البنوك نفسها فجأة لا تملك دخلاً كافياً (من تلك الأوراق المالية القديمة منخفضة الفائدة) تدفع به فواتيرها في زمن معدلات الفائدة المرتفعة. فظهرت أولى علامات عدم تطابق العائد مع فشل بنك وادي السيليكون وبنك سيجنتشر.

وبالتالي، أحجمت البنوك عن رفع أسعار الفائدة على الودائع، مما أدى إلى انخفاض تاريخي في الودائع المصرفية مع انخفاض ودائع مارس إلى المنطقة السلبية أكثر من أي شهر آخر في أكثر من 50 عاماً.

يشير كل هذا إلى تراجع سريع في النشاط الاقتصادي داخل اقتصاد أُفرغت فيه المدخرات والاستثمارات الحقيقية بأكثر من عقد من المال السهل. وبدون اقتصاد موجه نحو المدخرات الحقيقية وزيادة الإنتاجية، سيؤدي التضخم النقدي المستمر إلى زيادة تضخم الأسعار سوءاً. وفي هكذا اقتصاد هش، كان على الاحتياطي الفيدرالي أن يختار بين ارتفاع تضخم الأسعار من ناحية، والنظام المصرفي المترنح على حافة الهاوية من ناحية أخرى.

* تنفيذي في «معهد ميزس»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc8fcecv

عن الكاتب

تنفيذي في «معهد ميزس»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"