تنافسية أوروبا في الاقتصاد الجديد

21:32 مساء
قراءة 4 دقائق

ميريك دوشيك *

تسمح الميزانية المشتركة للاتحاد الأوروبي بتدفق الأموال من المناطق الأكثر ثراءً إلى المناطق الفقيرة، وتعني حرية الحركة أن الأوروبيين يمكنهم الدراسة أو العمل أو القيام بأعمال تجارية أو التقاعد في أي مكان يناسبهم. ومع ذلك، هناك بعض المؤشرات السلبية القادمة من بروكسل.

فلا يزال النمو الاقتصادي في أوروبا، حيث أعلى دخل للفرد وأكبر مستويات للثقة في الحكومات، وأدنى معدلات للفقر والفساد، متخلفاً عن نظيره في الولايات المتحدة لعقود من الزمن، ويمثل الاتحاد الأوروبي اليوم 18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقارنة بنحو 27% في عام 1995. كما انخفضت حصته في القيمة الصناعية العالمية من 27% إلى 16% خلال نفس الفترة.

وفي ضوء ذلك، ينبغي على صُناع السياسات تسليط الضوء على أمرين، الاستثمار في التكنولوجيا والمهارات، وتعزيز تحول الطاقة، باعتبارهما نقاط نفوذ محتملة لزيادة القدرة التنافسية لأوروبا.

وعندما يتعلق الأمر بالإنفاق الحكومي، تجد أن الاستثمار الأوروبي في الذكاء الاصطناعي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لا يواكب المناطق الأخرى في العالم. مع ذلك، هناك دول في الاتحاد الأوروبي، مثل لوكسمبورغ وسلوفينيا، تخصص نسباً كبيرة من الاستثمار العام في الذكاء الاصطناعي، تليهما مباشرة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

أما في الاستثمار الخاص، فالفجوة باتت أكثر اتساعاً، حيث أصبح المستثمرون الأوروبيون، في ثاني أكبر سوق موحدة في العالم، أبعد ما يكون عن المخاطرة بشكل عام، ويُعزى ذلك جزئياً إلى البطء الحاصل في إجراءات استكمال أسواق رأس المال الموحدة على مستوى الكتلة. وتكثيف الجهود هذا من شأنه أن يربط السوق الأوروبية بمجموعة الاستثمارات المتدفقة إلى التكنولوجيات الناشئة.

وبفضل مشروعها المشترك للحوسبة فائقة الأداء «EuroHPC» تعتبر أوروبا موطناً لبعض أقوى أجهزة الكمبيوتر في العالم التي تعالج البيانات الضخمة، مثل «لومي» داخل مركز بيانات «سي إس سي» في فنلندا، و«ليوناردو» في إيطاليا. ومع ذلك فالقارة لا تزال تمثل أصغر حصة من أفضل 500 جهاز كمبيوترعالمياً.

وعندما يتعلق الأمر بالتعليم، لدى الاتحاد الأوروبي اليوم عدد أقل من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بما في ذلك تخصصات علوم الكمبيوتر والمهنيين في مجال الذكاء الاصطناعي، مقارنة بدول مثل الولايات المتحدة والهند والصين، التي تتصدر الترتيب العالمي بأرقام قياسية من الخريجين والمتخصصين.

وينعكس أيضاً تأثير المستويات المنخفضة للاستثمار التكنولوجي، وتراجع أعداد الفنيين المهرة، فضلاً عن ضمور المؤسسات البحثية العليا نسبياً بالاتحاد الأوروبي، في انخفاض أعداد شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة والمليارية وبراءات الاختراع والاقتباسات الأكاديمية.

ووسط كل ذلك، هناك بعض المؤشرات الإيجابية من بعض عواصم الكتلة التي تحسست الخطر. ففي فرنسا، على سبيل المثال، رصدت الحكومة 7 مليارات يورو للاستثمارات في مجال التكنولوجيا، ومن المقرر إعادة توجيه الأموال عبر المستثمرين المؤسساتيين إلى الابتكار والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا. ومن الممكن أن تساعد مثل هذه الأمثلة، إذا ما تم تطبيقها، في سد فجوة الاستثمار مع الولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، يقود الاتحاد الأوروبي آليات تنظيم الذكاء الاصطناعي استناداً إلى نهج قائم على المخاطر يهدف إلى الحد من الضرر الذي يلحق بالمواطنين، وإلى تعزيز المواءمة الدولية بشأن هذا التنظيم، وهو ما من شأنه أن يساعد في إيجاد ميدان تنافس عالمي أكثر تكافؤاً لتطوير التقنيات ذات الصلة. ومع ذلك، ورغم أن الجهود المبذولة لتقليل المخاطر تعتبر أمراً مهماً، لكن لا يجب أن تأتي على حساب معدلات الابتكار المرتفعة.

وفي ما يخص الطاقة وتحولاتها، كشفت أزمة الأسعار العام الماضي مدى هشاشة سوق الطاقة الأوروبي. وأصبح من الواضح أيضاً أنه في غياب إمدادات مستقرة وقادرة على المنافسة، فإن القدرة التنافسية الأوروبية ستصبح بعيدة المنال.

ولتأمين هذه القدرة على المدى الطويل، تستهدف خطة المفوضية الأوروبية «REPowerEU» خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري وتسريع وتيرة التحول الأخضر، وتحسين شبكات الكهرباء، وزيادة سعات التخزين، وكل ما يحرز تقدماً في تقنيات صافي الصفر.

كما تسير طاقة الرياح البحرية الأوروبية على الطريق الصحيح في سباق الصناعات العالمية، لكن بحسب وكالة الطاقة الدولية، لا يزال التصنيع الحالي والمشاريع المستقبلية لتقنيات طاقة الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات في أوروبا يتخلف بشكل كبير عن الصين. ووفقاً لمؤشر تحول الطاقة، فإن الأخيرة تهيمن عالمياً على البنية التحتية المادية والاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.

أما بالنسبة للمحول الكهربائي والمضخات الحرارية، فتظل أوروبا في المقدمة، وقد التزم المصنعون الأوروبيون بزيادة الإنتاج بمقدار عشرة أضعاف بحلول عام 2025 للمساعدة في تعزيز إمدادات الهيدروجين النظيف. ومن خلال الشراكات الاستراتيجية، يهدف الاتحاد الأوروبي إلى تأمين المواد الخام اللازمة والمساعدة في تطوير البنية التحتية الحيوية في البلدان النامية والتعاون في مجال البحث والتطوير والابتكار.

لقد أظهرت أوروبا قدرة مدهشة على الاستجابة للأزمات العاجلة والخروج منها أقوى. والكيفية التي تتعامل بها القارة الآن مع هذه الفترة من التغير البنيوي في الاقتصاد العالمي سوف تحدد ما إذا كانت أجيال المستقبل من الأوروبيين قادرة على الاستمتاع بحياة مزدهرة ومنتجة وخلّاقة.

* نائب رئيس الشؤون الجيوسياسية والإقليمية في المنتدى الاقتصادي العالمي (يوروآكتيف)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2xxbn997

عن الكاتب

نائب رئيس الشؤون الجيوسياسية والإقليمية في المنتدى الاقتصادي العالمي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"