عادي

لغة الثقافة تحتفي بسيرة أمنا الأرض

00:12 صباحا
قراءة 5 دقائق

الشارقة: أشرف إبراهيم

تستطيع لغة الأدب أن تسحب الروح بعيداً عن القلق الذي تدق ساعته في حياتنا، كجرس إنذار، كلما حلَّ بالكوكب الذي نعيش فيه كارثة ما، أو نكبة من نكبات الطبيعة، وحين يغوص العالم في لجة غموض مستقبل البيئة وإشكالية التغيير المناخي، وتعمل لوحات الأدب شعراً وقصة ورواية وأدباً حراً على وضع النقاط على الحروف، ومن ثم توجيه نداءات رمزية أو صريحة عبر الكلمات العابرة في مواكب الإبداع وهي تنبه إلى الكارثة، بعيداً عن لغة الأرقام وأقوال العلماء التي تضج بها نشرات الأخبار وهي تتناول قضية تغير المناخ، وما سيحل بأمنا الأرض إذ لم يتم تدارك الأخطاء التي وقع فيها البشر، فجعلت الكرة الأرضية أكثر سخونة مما قبل.

في السطور الآتية يتحدث بعض الكتاب عن دور الثقافة الحقيقي في التعبير عن ظاهرة التغير المناخي، وكيف يمكن للكلمات المبدعة أن تقفز إلى قلب الحدث، وتغرد بالحكمة، وتتابع وقائع عاصفة التغير المناخي، وتحتفي بسيرة أمنا الأرض.

تضامن

الروائي علي أبوالريش يوضح أن الأديب الحقيقي يشعر بالأسى وهو يتابع ظاهرة التغير المناخي، وتنصهر في روحه أشياء مؤلمة وهو يرجو أن يمتلك حل اللغز، ويظهر من خلال أدبه بأنه متضامن مع المأساة وهو يشاهد توابعها تتكاثر كل يوم على صفحة الأيام والسنين، إذ إنه خلال الفترة الماضية أصبح التغير المناخي جزءاً من معضلات الإنسان ومعاناته على الأرض، موضحاً أن البيئة وما يحدث فيها من أضرار جسيمة تجعل الإنسان على ظهر هذا الكوكب مكتئباً وحزيناً، لذا فالكاتب يبحث عن ما يحرر هذه الأرض من كبواتها، كون ظاهرة التغير المناخي بمتغيراتها الخطرة في تنامٍ مستمر، وأنه سعيد بما يطالعه في حركة الأدب من روايات تتطرق إلى الظاهرة ضمن سياق الأحداث، وتضع حدوداً فاصلة لما يمكن أن يحدث في المستقبل بأدوات غنية في التناول، إذ إنه من الطبيعي أن يضع الأديب يده على الجرح ويحاول مثل الطبيب أن يداويه، على الرغم من أن الشاعر أو القاص أو الروائي مثلاً، هم أرواح تعيش على الحلم والإغراق في الخيال، إلا أن كتاباتهم في كل الأحوال محفزة للآخر، وبخاصة الناس الذين يعيشون على هذا الكوكب ولديهم ممارسة غير سليمة وهم يتعاملون مع البيئة، ويرى أبوالريش أن الكتاب لا يملكون الحقيقية كاملة، وليس لديهم حلول جذرية مثل العلماء الذين يفندون ظاهرة التغير المناخي، لكنهم يستطيعون بكلماتهم المؤثرة أن يشعلوا شمعة في الظلام، ويضيئوا الطريق إلى العابرين.

الصورة

مع البسطاء

ويوضح القاص إبراهيم مبارك، أن الكاتب مؤثر في بيئته، فهو وإن عجزت التقنيات عن تقديم حلول مناسبة، فإن قلمه قادر على أن يجول مع البسطاء في متاهات الأيام والسنين، فيكون لهم جسراً آمناً للعبور بما يكتبه من كلام جميل، فإن خذلتهم الحياة فهو لا يخذلهم قطّ، مبيناً أن ظاهرة التغير المناخي وضعت العالم كله في تحدٍّ، فهي تكشف عن الخلل القادم في النظام البيئي، وأن الأمل في النجاة ليس بعيداً بجهود العلماء، والتضامن العالمي، وأن الكتاب والشعراء والأدباء ليسوا بمنأى عن هذا الحدث الجلل، وأن تضامنهم الثقافي خطوة مهمة، وباستطاعة قصة قصيرة، أو رواية أو قصيدة شعرية أن تبرز وجهاً آخر للمشكلة، بخاصة أن الكاتب مرشد الناس، وتضامنه بشكل مستمر مهم في التخفيف من حدة الضغوط، ومن ثم الوعي بحدة المخاطر أيضاً، فتضامن الأديب، في هذه المرحلة الدقيقة، مع أزمة التغير المناخي مهمة على كل المستويات، لأن ثمة أفكاراً تظلل حياة الأديب، وثمة كتابات يمكن أن تستبدل الأفكار الجاهزة بأفكار أكثر جاذبية وفاعلية في هذا المشهد المتغير، فالأديب يمسك دائماً بخيط الأمل والتحدي، لأن حاسته لا تتعطل قطّ، ومن الضروري أن يتضامن أهل الثقافة مع واحدة من الظواهر الاستثنائية في محيط الحياة، مثل ظاهرة التغير المناخي.

مكان الكلمة

يقول الشاعر طالب غلوم: «لا شك أن الأدب بكل فنونه يمارس دوره الطليعي منذ فجر التاريخ على المستوى القومي والإنساني، وكثيراً ما كان يدق ناقوس الخطر، منذراً بما يحيق بالمجتمع من مخاطر، لاعباً دور «زرقاء اليمامة» في ما لا تراه العين المجردة، وإن كان هذا الدور قد انحسر في الآونة الأخيرة بفعل غزو التقنيات الحديثة التي تعتمد الصورة مكان الكلمة، لكن الكاتب لم يتخل عن دوره الطليعي هذا، ولم يترك سلاحه للحظة، والتغير المناخي من الكوارث التي تهدد الإنسانية بما لا قِبل لها بمواجهته، فلا عجب أن ظهرت بالفعل أعمال أدبية، سواء قصصية أو روائية أو حتى شعرية، تنبه إلى ما ينتظر البشرية من ويلات، بفعل إهمال ذلك الملف الحيوي. وقد ظهرت مجموعة روايات غربية ناقشت التغير المناخي، فعلى سبيل المثال لا الحصر: رواية «إلى أي مدى نمضي في الظلام» لسيكويا ناجاماتسو، ورواية «رأساً على عقب» للكاتب الفرنسي جول فيرن، ورواية «ريح بلا مكان» للبريطاني جي بالارد، ورواية «البحر والصيف» للروائي جورج تيرنر.

رؤى

وتبين الكاتبة ريم الكمالي، أن الروائي يكتب حالات اجتماعية ويتبصر في التاريخ ويرصد السلوك الإنساني، ويعيش في قلب المعاناة من خلال كتابات تفيض بالمتعة وهو يلامس جوهر المشكلات الإنسانية في صفحة الحياة، وأنه بشكل ما يتضامن مع الظواهر اللافتة التي تأخذ حيزاً من الحديث على سطح هذا الكوكب، وما من شك في أن ظاهرة مثل التغير المناخي مثارة على طاولة العلم، ومثارة أيضاً على طاولة الأدب، لكن بصيغ أخرى تتماهى مع لغة الأدباء واتجاهاتهم المختلفة عن ما هو مطروق وعادي، مشيرة إلى أن التضامن الثقافي مع هذه الإشكالية يعكس أهميتها، لأنها أصبحت متصلة بحياة الناس، فالأدباء ليسوا بمعزل عن الظاهرة، وكل يوم تفيض كتاباتهم بتساؤلات المستقبل، من خلال رؤى أدبية ومعالجات فنية، تقدم نماذج فكرية صافية، فيها الكثير من الحيوية والجمال أيضاً، إذ إنه من الضروري أن يعبر الكاتب عن القيم والتقاليد الإيجابية بروح الأدب، ويتحدث عن الأشياء السلبية من منظور إبداعي مشوق، وهو ما يحدث في كل الكتابات الأدبية الحالية التي تود أن تعيد الإنسان إلى منابعه الأولى، حيث الطبيعة البكر التي كانت ولا تزال الاقتراح الأنسب لإنسانيتنا.

الصورة

جوهر المشكلة

الكاتبة فاطمة المزروعي تؤمن بأن ظاهرة التغير المناخي ليست مشكلة عابرة في هذا الزمن، وأن التضامن الثقافي معها من الأهمية بمكان، بخاصة أن الكتاب بإمكانهم أن يفتحوا خزائن البوح بما يليق بجوهر المشكلة، وأن يمنحوا القراء فرصة للتعرف إلى جوهر المشكلة من زاوية أخرى، فلا شيء ينقذ الإنسان من خوفه سوى كلمات صادقة تستقر في القلب دون استئذان، خصوصاً أن الظاهرة تأخذ أبعاداً أخرى في هذه الأيام، وأن العالم مشغول بتبعاتها، وهناك سيناريوهات كثيرة تدور في ذهن الإنسان عن مستقبلها، لذا فإنه في لجة القلق وكثرة الأسئلة تبرز مسؤولية أخرى ملقاة على عاتق الكاتب، وتلفت إلى أنها من خلال تجربتها طوعت صوراً رمزية ضمن سياق أحداث مختلفة لكي تترك مساحة للقارئ لينبه إلى خطورة التأثير في البيئة في ظل ظاهرة التغير المناخي التي أضحت محيرة في سيرتها وأسبابها وإشكالية تناميها عبر الأيام، وتوضح أن الكتابات الإماراتية في الشعر والقصة والرواية تطرقت أيضاً إلى الظاهرة بطريقة ما، وهو ما يعكس عن الرؤية المتضامنة مع هذه القضية بشكل ما من قِبل الأدب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr4dt36a

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"