عادي

الأدب.. عراف التغيّر المناخي

00:14 صباحا
قراءة 6 دقائق

القاهرة: وهيب الخطيب
الكتابات اﻷدبية والسردية يمكن اعتبارهما آلتي زمن تلتقطان الفروق الدقيقة والعواطف بوضوح من نقطة بعيدة في التاريخ. ومؤكد أن السرد، أو القصّ يلهم الناس، ويجعلهم يفكرون في بعض الأحيان على نحو مختلف، كما يحفزهم على العمل، وهنا يمكن القول إن الروايات المستقبلية والقصص القصيرة تتمتع، على وجه الخصوص، بوضع لافت في التنبؤ لما يمكن أن يكون عليه المستقبل، إنها بمعنى ما، تمتلك عينيّ زرقاء اليمامة في قدرتها على التحذير من مخاطر المقبل.

تاريخياً، غذت المخاوف العالمية في حقبة الحرب الباردة السرد الروائي في أواخر القرن العشرين، كما ألهمت الثورات التكنولوجية والميكانيكية السريعة في القرن التاسع عشر، كلاسيكيات السرد العلمي لكل من الكاتبين الإنجليزي هربرت جورج ويلز، والفرنسي جول فيرن، ولدينا الآن معرفة عميقة وحميمة بالعصور الماضية بسبب الأدبيات التي كتبت عنها، وبالنسبة إلى الأجيال القادمة، فإن روايات تغيّر المناخ التي انتشرت مؤخراً، ستكون نافذتها على حاضرنا.

وبينما نتصارع مع التغيرات المربكة والمدمرة لعالم يزداد حرارة، هناك من ينسخ مخاوفنا وأحلامنا في حكايات خيالية آسرة عن الأمل، واليأس، والقدرة على الصمود. وفي العقود والقرون المقبلة، من المحتمل أن يحلل القراء الأعمال الأدبية المنشورة في أوائل القرن الحادي والعشرين؛ لفهم كيف تعاملت البشرية في مثل هذا الوقت المحوري لجنسنا البشري.

ومنذ عام 2021، أصبحت الروايات المعنية بتغيّر المناخ سائدة، ومنتشرة، وهي حكايات وقصص وسرديات تقف أمام تأثيرات التغيرات المناخية في العالم الذي نعيش فيه، وأحياناً تراوح القصص الخيالية التي تؤرخ ظروف الأرض المتغيرة من البائس المرعب، إلى التفاؤل الملهم، لكن ما تشترك فيه جميع الأشكال والحكايات اﻷدبية المناخية هو الدعوة إلى العمل، إما لتجنب مستقبل مظلم، وإما السعي لتحقيق مستقبل أفضل.

وتشير التغيرات المناخية إلى التغيرات طويلة المدى في المناخ لفترة زمنية محددة. والتي تحدث نتيجة لعدة عوامل منها النشاط البشري والعوامل الطبيعية. ويُعتبر الاحتباس الحراري الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة من الأنشطة البشرية من أهم العوامل التي تؤدي إلى التغيرات المناخية.

الصورة

* التفاتة مبكرة

واحدة من أوائل الروايات التي تناولت قضية تغيّر المناخ «حكاية المزارع» Parable of the Sower، ﻷوكتافيا بتلر، التي صدرت في عام 1993، وقتها لم يكن سوى عدد قليل من الناس على علم بتغيّر المناخ، وما قد يعنيه ذلك بالنسبة إلى البشرية، وكوكب اﻷرض، ومع ذلك، تمكنت الروائية الراحلة بتلر من تأليف عمل واعٍ لا يزال يتفوق على الكثير من روايات الخيال المناخي المنتشرة حالياً.

تدور أحداث الرواية في منتصف عشرينات القرن الحالي، وتصور بدقة عالماً مدمراً، إذ أدى تغيّر المناخ إلى تفاقم نقص المياه والغذاء، وعدم المساواة في الثروة، وانتشار الظلم الاجتماعي. وفي هذا العالم المملوء بالإرهاب والعداء، تدرك فتاة صغيرة أنها ولدت بموهبة نادرة، ألا وهي: التعاطف، والقدرة على مشاركة آلام الآخرين.

ثم تبدأ رحلة، محكية على نحو سردي مميز، عبر قلب أمريكا، حيث يكون أبطال الرواية محاصرين ومهددين باستمرار من قبل حقائق عالم مرعب أكثر سخونة. ومع ذلك، لا يزال الأمل وولادة رؤية جديدة للمستقبل ينبثق من أعمال التعاطف البسيطة التي يمكن أن تشفي حتى أشد الجروح ضراوة.

من المؤكد أن كيم ستانلي روبنسون، كاتب خيال علمي أمريكي يعتبر واحداً من أفضل كتاب الخيال العلمي على قيد الحياة، حسب مقال نشرته مجلة نيويوركر الأمريكية، وهو أحد أسلاف الخيال العلمي الحديث، وتناولت كتاباته منذ فترة طويلة موضوعات بيئية وبيولوجية، واهتم بالقضايا البيئية واضحاً طوال حياته المهنية التي امتدت لما يقرب من 40 عاماً، بما في ذلك «ثلاثية المريخ» المشهورة. لكن المناخ احتل بالفعل مركز الصدارة في رحلته لعام 2020، ورواية «وزارة المستقبل».

تتعمق رواية روبنسون في الحاجة الملحّة إلى إنشاء وكالة عالمية تتمثل مهمتها في حماية حقوق الأجيال القادمة من الأشخاص والحيوانات الذين لم يولدوا بعد. خاصة «إن أفعالنا تنتهك سبل عيش الكوكب اليوم، لكن هذا الضرر ضئيل للغاية مقارنة بالمعاناة التي سيلحقها تغيّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي بأحفادنا». ويشرح روبنسون بالتفصيل، فصلاً بعد فصل، كيفية عمل هذه الوزارة، وما يجب عليها فعله لتحقيق أهدافها.

وتتمحور حكاية كيفية عمل الوزارة حول تجارب شخصين من خلفيات مختلفة تماماً، يعانيان من تحديات وصدمات مختلفة، لكن ما يميز وزارة المستقبل حقًا هو أوصافها العرضية الحية، والتي غالباً ما تكون عميقة، لكيفية تعامل البشر وتكيفهم مع الحياة في عالم أكثر سخونة.

أدب التنبؤ

ومن بين الإصدارات التي تناولت القضية ذاتها، كتاب «الهجرات» لشارلوت ماكوناجي 2020، الذي من خلاله نصبح أمام عالم يبدو ظاهرياً مشابهاً لعالمنا إلى حد كبير، لكن من الصعب التعرف إليه تدريجيا، عندما تصبح تفاصيله أكثر وضوحاً. في هذا المستقبل القاسي، أدى حدث الانقراض العالمي المتفشي الناجم عن تغيّر المناخ والنشاط البشري غير المقيد، إلى ترك الأرض خالية تقريباً من الحياة الحيوانية، في الرواية، لا يزال البشر موجودين «لكننا سنكون وحدنا».

أما نيل ستيفنسون فهو مؤلف بنى حياته المهنية على التنبؤ بالمستقبل. وهو الرجل الذي صاغ لأول مرة مصطلح أكبر كلمة طنانة تكنولوجية لعام 2021: «الميتافيرس»، بعد أن توصل إلى الفكرة قبل 30 عاماً تقريباً، في روايته الخيالية العلمية «Snow Crash» لعام 1992.

ومنذ ذلك الحين، أصبح ستيفنسون واحداً من أبرز روائيي الخيال العلمي في العالم، مع التركيز على الخيال العلمي الدقيق علمياً، أو على الأقل، الذي يمكن تصوره، والخيال العلمي الصعب، وفي عام 2021، وجه الكاتب والمستقبلي الشهير انتباهه أخيراً نحو أزمة المناخ من خلال رواية «صدمة الإنهاء».

وكجميع روايات ستيفنسون، تتعامل «صدمة الإنهاء» بشكل مباشر وحازم مع التكنولوجيا الأكثر تقدماً وبصيرة، في ذلك الوقت. وفي هذه الحالة، فإن الهندسة الجيولوجية الشمسية، وهي الحل التكنولوجي المفترض لمشكلة تغيّر المناخ والتي تنطوي على تعديل درجات الحرارة العالمية بشكل مصطنع عن طريق حقن الغلاف الجوي الذي من شأنه أن يعكس بعض أشعة الشمس.

صحيح أن الهندسة الجيولوجية هي حل لم يتم اختباره مع الكثير من العواقب المحتملة غير المقصودة، وبعضها قد يكون كارثياً، لكن ماذا سيحدث إذا حصل ملياردير غريب الأطوار من تكساس على مثل هذه التكنولوجيا وقرر استخدامها على أي حال؟

الصورة

حرب أمريكية

وﻷن القضية باتت حيوية ومهمة ومتعلقة بمستقبل كوكب اﻷرض، ومصير البشرية بالتعبية، أصبح هناك تيار أدبي كبير يتناول الموضوع، خاصة في الكتابات الغربية، لدرجة أن موقع outsideonline، نشر تقريراً عن أهم 20 رواية تتناول التغيّرات المناخية، وعلى الرغم من أن الكتب الواردة في القائمة متنوعة، فإن عدداً منها يكرر الموضوعات والثيمات ذاتها، حتى أن السرد في أغلبها تأملي، يصور واقعاً مريراً ناجماً عن الانهيار البيئي والذي ينمو بسبب جشع الشركات والمؤسسات الصناعية الكبرى.

كما تُظهر بعض هذه اﻷعمال المجتمعات الساحلية التي غمرتها الفيضانات أكثر من مرة، وتشتمل جميعها تقريباً، على نظرة محبة للأرض وإعجاباً رومانسياً بالمناظر الطبيعية المفقودة، أو المحتضرة، وغالباً ما تظهر شخصيات نمطية تتعامل مع تداعيات البيئة. لكن سواء كنا نتصور عالماً لم يتحقق بعد، أو عالماً واقعياً كالذي نعيش فيه، فإن خيوط الأمل والمرونة والإبداع المدهش حاضرة في كثير من الإصدارات.

ومثلما تشمل قائمة موقع outsideonline، على رواية «حكاية المزارع»، فإنها تتضمن أيضاً رواية «حرب أمريكية» للروائي المصري عمر العقاد التي صدرت في عام 2017، وهي أولى روايات العقاد، وترجمها إلى العربية مجدي عبد المجيد خاطر، وتدور في عام 2074، والتاريخ على وشك أن يعيد نفسه: عندما يدخل مشروع قانون يحظر بيع الوقود الأحفوري حيز التنفيذ، انفصلت عدة ولايات جنوبية عن الولايات المتحدة، ما أدى إلى بداية حرب أهلية ثانية.

وحسب تقرير الموقع، فإن بطلة رواية العقاد، فتاة صغيرة تدعى سارات، نشأت في بلدة على ضفاف النهر في ولاية لويزيانا الساحلية، والتي تغيرت بسبب التآكل وارتفاع منسوب مياه البحار، وهي فتاة ليس لديها أي تصور لفصل الشتاء، أو البرد الحقيقي، وترفض ما قيل لها عن الثلج والجليد في الشمال، باعتباره مجرد خيال. وعندما يتم إرسال سارات وعائلتها للعيش في مخيم للاجئين، تنطلق في رحلة عميقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/33yx3tjz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"