على هذه الأرض ما يستحــق الحــيـاة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

لم يخطر لي، وربما لغيري أن يوظف مقطعاً شعرياً لمحمود درويش يخدم مقالة حول الأرض والتغيرّات المناخية والخوف من الطقس وتلوّث الهواء وحرائق الغابات، فهذه موضوعات بعيدة في مضامينها العلمية عن الأدب، وخاصة الشعر، غير أنه فعلاً «على هذه الأرض ما يستحق الحياة» وما يبرر أيضاً الدفاع عنها بوصفها أمّنا ومكاننا الكوكبي الوحيد القابل بنا نحن البشر الذين لا نكفّ عن الإساءة المادية اليومية لهذا الكوكب وذلك بالإمعان في تلويثه وتحويله إلى خرابة جغرافية تستحق الرثاء، بدلاً من أن تستحق الحياة.
غير أن الأدب عموماً لا يتوقف عبر التاريخ البشري كلّه عن توبيخ العلم حين تتمادى الكيمياء مثلاً في تحويل الفردوس الأرضي إلي مقبرة، وحين تتحول الرياضيات إلى طرح وضرب وتقسيم الحياة، وجعلها مختبراً بحثياً مجرماً يشتغل فيه العقل في معزل غريب عن القلب، والعاطفة والرّوح.
آينشتاين شاعر على نحو ما.. وداروين ربما كان فيلسوفاً، لا بل تذكر بعض مصادر حياة نوبل صانع الديناميت أن له محاولات في كتابة الشعر، ومجرّد اكتشاف الجاذبية من خلال سقوط تفاحة على رأس نيوتن هو في حدّ ذاته صورة شعرية، وهذه الكهرباء هي بكيفية ما عمل شعري أو عمل فني ل (الفنان) بنجامين فرانكلين، بما في ذلك اكتشاف الغاز، وقبل ذلك معرفة النار، ثم التوصل إلى الحديد الصلب وحتى الذهب والقصدير والنحاس.. هي كلها في صيغة أدبية ما أعمال فنية كان يعجب بها الشعراء، أولئك الآخرون الذين لا يعرفون شيئاً سوى اكتشاف الصور الشعرية، والسرديات.. شكسبير، دانتي، هوميروس، المتنبي، أبو العلاء المعرّي وغيرهم ممن لم يكن لهم ضرر وجودي يضاهي أو يشبه ضرر رفاقهم العلماء، أصحاب المختبرات.. مكتشفي الذرة، والنيوترون، والغاز المسيّل للدموع.. وللضلوع..
.. ولكن، لأن هناك ما هو على الأرض ويستحق الحياة، فلا بد من رفع القبعات للعلماء، واعتبار عملهم المعرفي هذا شكلاً من أشكال تحديث الأرض والحياة (من ناحية شعرية) ولكن في الوقت نفسه قتل الأرض والإنسان والحيوان (من ناحية علمية). العلم شاعر ولكن أظفاره طويلة..
معادلة مركبة، وملتبسة تلك القائمة بين العلم والأدب.. بين الفلّاح الذي يزرع الأرض بالقمح والذرة والأرز وذلك الطيار الذي حرق هيروشيما، وهو يعرف أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3vbexpxj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"