الشوكة والسكين والأصابع الخمسة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

كان نزار قباني يكتب شعراً ونثراً (بالشوكة والسكين) في حين كان يكتب خليل حاوي بالفأس والمجرفة، قاسياً مثل الحجر الذي تُرصف به الشوارع ويخطر لك أن رجلاً عنيد الملامح وحادّ الأنف والعينين واختار «نهر الرماد» عنواناً لإحدى مجموعاته الشعرية، ما كان يأكل إلّا بيديه الاثنتين، لا لأنه جائع أو شره، بل، لأن ثقافته ليست ثقافة شوكة وسكين.. والأكل بهاتين على المائدة، بالضرورة، وهو أكل مؤدب وبطيء وفق بروتوكول المطاعم والبيوتات التي يحضرها كبار القوم..
الكتابة البروتوكولية المأدبية والمائدية هي هكذا مثل الأكل المعدني ذاك.. وكان طه حسين يهجم على اللغة بيديه الاثنتين، كما كان يطيب لأمل دنقل أن يكتفي بخبزة وجبنة (بلدي)، بلا شراهة، ولا جوع.
.. ربما أنت مثل أولئك الذين لا يحبّون البلاغة النمنمية، الزخرفية كحبّات الخرز الغالي في رقبة امرأة قبيحة، والكتابة، كما تعلم أنت أكثر منّي ليست زينة ولا وجاهة، ولا الكتابة مثل أدب مزيّف، ولا هي طعام على موائد ذهبية عريضة وطويلة، بل المؤكد أن الكتابة تشبه المرأة النحيلة.. تشبه ببساطة السنبلة، فيما يكتب الآخرون في حجم ثمرة البطيخ، خضراء من الخارج، وحمراء من الداخل، وقد لا تكون حمراء تماماً، بل فاهية، مريضة، رخوة..
وأنت تقول الآن ما أسوأ الكتابة الرخوة، وما أسوأ كتّاب الموائد والشراشف البيضاء والزهرية والحمراء.. تلك الألوان التي لو اجتمعت في لوحة فنان، لكانت أسوأ لوحاته..
.. لن أكتب لك هنا بعضاً من أسماء الشوكة والسكين، من شعراء وروائيين وصحفيين ولكنني سأذكر من باب المحبة بعضاً من أولئك الذين كانوا يأكلون بأيديهم بعدما يشمّروا عن أذرعهم، وقبل الأكل تسمع منهم: (بسم الله الرحمن الرحيم)، فيأخذون الكتابة على محمل الأكل، ويأخذون الأكل على محمل الكتابة.. والكتابة بالقلم، ولا سواه..
أقلام محمود درويش، عبد الوهاب البياتي، ممدوح عدوان، جوزيف حرب، محمد القيسي، محمد الثبيتي، غازي القصيبي، عبد الله البردوني، سالم النحّاس، محمد الفيتوري، أحمد الشملان، وغيرهم ممّن يتضايقون من الشوك والعوسج هي أقلام الكتابة باليد البشرية ذات الشعاعات الخمسة، أو الأصابع الخمسة: الكرامة، الصدق، النبل، المحبة، والأمانة.. وإذا اجتمعت في قلمك هذه الخمسة فلا تخف على أصابعك العشرة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/72dymwwx

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"