عادي

كثرة الحلف.. عادة لا يحتاجها الصادق

22:55 مساء
قراءة 6 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

تعوّد كثير من الناس كثرة الحلف من دون وجود ما يستدعي ذلك. ومن هؤلاء من يحلف بالله صادقاً كان أو كاذباً، ومنهم من يحلف بالمصحف، أو بالنبي، أو بأولاده أو بغير ذلك. ورغم تحذيرات علماء الإسلام من كثرة الحلف، فالكثيرون يصرون عليه يومياً، ربما لشعورهم بعدم ثقة من يتحدثون معهم، أو لنفى تهم أو شبهات حولهم، وكثير من التجار يحلفون لترويج بضاعتهم. وفي كل ذلك تفاصيل وأحكام شرعية ينبغي أن يدركها كل مسلم حتى لا يقع في الإثم، كما يوضح عدد من العلماء.

يؤكد د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء ومفتى مصر الأسبق، أن المسلم ليس مطالباً شرعاً بالحلف، إلا لو طلبت منه هيئة قضائية أو رسمية ذلك، وأن الأصل في الإنسان أن يكون صادقاً، يقول كلمة الحق في كل المواقف، وعلى من يتعامل معه أن يصدقه، ولو كذبه أو شكك في كلامه ليس من حقه أن يطلب منه الحلف، ذلك أن تعاليم ديننا تلزمنا بتوقير اسم الله وتنزيهه عن لغو الكلام وكثرة الحلف به من دون داعٍ، ولذلك يقول الحق سبحانه: «ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم».

الصورة

ولو كان هناك ما يستدعى الحلف فينبغي، وفق واصل، الالتزام بشروط اليمين وآدابه، وأهمها أن يكون بالله تعالى أو بصفة من صفاته على شيء فعله الحالف أو لم يفعله، فالحلف لا يكون إلا بعظيم، وليس هناك أعظم من الله تعالى وصفاته. ويستشهد بقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «أَلَا إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ».

ويشدد مفتى مصر الأسبق على ضرورة توقير اسم الله سبحانه وتعالى وتنزيهه عن لغو الكلام، وكثرة الحلف به من دون داعٍ، والاجتهاد في حفظ يمين الله وصيانتها من الحنث، لقوله تعالى: «وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ»، و«وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».

ويقول: عدَّ رسول الله اليمين الغموس من كبائر الذنوب، وقرنها بالشرك وعقوق الوالدين، وهي اليمين التي يعقدها صاحبها موقناً كذب نفسه، وتُسمَّى اليمين الكاذبة، فقد جاء في صحيح البخاري أن أعربياً جاء إِلى النبي، فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الكَبَائِرُ؟ قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ» قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «اليَمِينُ الغَمُوسُ» قُلْتُ: وَمَا اليَمِينُ الغَمُوسُ؟ قَالَ: «الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ».

عن سبب تسمية هذه اليمين بالغموس، وآثارها، قال: قال العلماء سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم، وتجب الكفارة عند الحنث في اليمين المنعقدة، وهي التي حلف فيها الإنسان على شيء يَفعله أو لا يفعله، ثم لم يستطع الوفاء، أو ترتب عليه إثم أو قطيعة رحم، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ».

ويضيف: كفارة اليمين حددها الله عز وجل في كتابه الكريم بقوله: «لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ».

ويوضح أن كفارة اليمين على الترتيب الآتي:

- إطعام عشرة مساكين من أوسط طعام أهل البلد التي يسكن فيها الحالِف، مما اعتاد أن يُطعِم منه أهله، من غير إسراف ولا تقتير.

- أو كسوة عشرة مساكين، بثوب يستر العورة، ويكفي لأداء الصلاة فيه، والمرجع في ذلك إلى العُرْف وعادة الناس، وعتق الرقبة ذهب محلها بانتهاء الرقّ.. ويجوز إخراج قيمة الكفارة مالاً إذا كانت مصلحة الفقير في ذلك.

- إن عجز الحالف عن الوفاء بأحد الأمور السابقة، صام ثلاثة أيام، ويلزم تبييت نية صيامها من الليل.

- إذا تكرر الحلف على أمر محدد كفت عنه كفارة واحدة، أما إن تعددت الأيمان على أفعال مختلفة، لزم التكفير عن كل منها بكفارة مستقلة، إذا حنث فيها جميعاً.

ويشدد واصل على أن كفارة اليمين واجبة على الفور، لا يجوز تأخيرها إلا عند العجز عن الوفاء بها فوراً.

تجارة

د. علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق، يحذر بدوره من الحلف بالله من دون وجود ما يستدعى ذلك. ويقول: المسلم لا ينبغي أن يكون حلافاً ولا أن يتعود على ذلك حتى لا يقع في الإثم ويجلب لنفسه غضب الله وعقابه، ورسولنا العظيم نبه إلى خطورة الحلف، لأنه يدخل الشخص في مقام الحلاف، فعندما يحلف الشخص بالله ولا يكون دقيقاً أو صادقاً في بعض الأحيان يكون استهان بمقام الألوهية.

وعن عادة بعض التجار في إكثار الحلف أثناء البيع لترويج بضاعتهم، كما يفعل بعض الناس في الشراء يقول د. جمعة: هذا مكروه مهما كان الحالف صادقاً، لما فيه من وضع اسم الله سبحانه وتعالى في غير محله، ولذلك أمر الله تعالى بحفظ الأيمان ونهى عن إكثار الحلف به، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «الحلف مُنفقَةٌ للسلعة، مُمْحِقَةٌ للبركة».

وعن موقف الشرع من الحلف بالطلاق يقول د. علي جمعة: لا يجوز للمسلم أن يجعل من الطلاق يميناً يحلف به على فعل هذا أو ترك ذاك، أو يهدد به زوجته.

ولليمين في الإسلام صيغة خاصة لم يأذن في غيرها وهي الحلف بالله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد أشرك».. وحديث: «من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت».

ويحذر مفتي مصر السابق من الأيمان التي يرددها كثير من الناس من دون داع، إذ يحلفون بغير الله مع أن هذا حرام، فقد نهى النبي نهياً واضحاً صريحاً عن أن يحلف الإنسان بأبيه وقال: «لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليذر» وفي رواية أخرى «أو ليصمت» وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «من حلف بغير الله فقد أشرك».. وعلة هذا النهى واضحة، وهي أن الحلف نوع من التعظيم للمحلوف به، ولا يجوز أن يعظم المؤمن غير الله عز وجل.

تعود

عن تعود بعض الناس الحلف بالنبي، يقول د. عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر والمشرف على لجان الفتوى الأزهرية: الأصل في الحلف أن يكون بالله، باسم من أسمائه، أو بصفة من صفاته، لكن الحلف بما هو معَظم في الشرع، كالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام والكعبة، لا حرج فيه شرعاً، ولا مشابهة فيه لحلف المشركين، لأنه لا وجه فيه للمضاهاة، بل هو تعظيم لما عظمه الله، ومن هنا أجازه كثير من العلماء، منهم الإمام أحمد بن حنبل، وعلَّل ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أحد ركني الشهادة التي لا تتم إلا به.

ويوضح د. شومان سبب رفض بعض أهل العلم الحلف بغير الله، فيقول: قالت طائفة هو خاص بالأيمان التي كان أهل الجاهلية يحلفون بها تعظيماً لغير الله تعالى، كاللات والعزى والآباء، فهذه يأثم الحالف بها ولا كفارة فيها، لكن ما يؤول إلى تعظيم الله، كقوله «وحق النبي» والإسلام والحج والعمرة والهدي والصدقة، ونحوها مما يراد به تعظيم الله والقربة إليه، فليس داخلاً في النهي.

والحلف بالمصحف أو بآية من القرآن يعد يميناً منعقدة يحاسب عليها الإنسان وتجب الكفارة عند الرجوع، وبهذا قال كثير من أهل العلم خلافاً لأبي حنيفة وأصحابه.

دليل ضعف

د. هبة عوف، أستاذ التفسير بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، تحذر من كثرة الحلف بالله سبحانه وتعالى، وتقول: القسم بالله له مهابته وقدره العظيم. الإنسان الصادق لديه يقين بأن ما يقوله سيصدقه الناس، لكن الكاذب يقسم ليصدقوه، وهذا دليل على ضعف الشخصية.

وتضيف: إخوة يوسف عليه السلام قالوا لأبيهم: «وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ»، وهذا من كثرة كذبهم عليه فاعتاد منهم الكذب.

ولذلك تنصح د. هبة عوف الجميع، خاصة الزوجات، بالكف عن كثرة الحلف أمام أطفالهن حتى لا ينشأوا على هذه العادة المرذولة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yacsu3wa

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"