رأس المال البشري والابتكار

21:42 مساء
قراءة 4 دقائق

قد تكون المعاجم والقواميس مكاناً غير معتاد للبحث عن معاني، واتجاهات مواقع وأماكن العمل، لكن تلك المترادفات الطنانة التي تظهر في كل عام، يمكن أن توضح لنا الكثير من المفاهيم.

جاء مصطلح «الاستقالة الهادئة» في العام 2022، لتسليط الضوء على جيل يسعى إلى إعادة فرض التوازن بين العمل والحياة، ويعني ببساطة: «العمل في إطار ساعات العمل المتفق عليها فقط».

اختار قاموس كولينز، الإنجليزي كلمة (AI – الذكاء الاصطناعي) لتكون هي الكلمة الأبرز للعام 2023، حيث سلطت الضوء على الحوار المتصاعد حول «الذكاء الاصطناعي التوليدي»، والآمال والمخاوف التي تمثلها التقنيات خصوصاً بالنسبة إلى الموظفين والعمال.

تعـــد التقنيـــات الناشئـــة مثـــل «الذكـــاء الاصطناعـــي التوليدي»، مجرد واحدة من عوامل عدة، تتسبب في تطوير وتقدم عالم العمل والوظائف اليوم، والتي يجب أن تكون في مقدمة اهتمامات كبار المسؤولين عن تطوير رأس المال البشري هذا العام، وتشمل هذه العوامل مفاهيم شيخوخة القوى العاملة، والعمل عن بعد، والحاجة الملحة إلى سد فجوة المهارات.

والعنصر الأساسي في تلك الأمور، هو كيفية تحقيق التقدم واستمرار التطور، وبالنسبة للموظفين وأصحاب العمل ستكون هذه هي الطريقة الوحيدة لضمان مواكبتهم تلك التطورات، والحفاظ على موقع الصدارة والتنافسية في عالم سريع التغير.

أصبحت المهارات الحالية أقل أهمية في عالم يمكن فيه أتمتة العديد من المهام بواسطة الآلات، لذا فالمطلوب هو الحصول على المهارات البشرية الأساسية.

  • تصدرت المهارات المعرفية والكفاءة الذاتية، قائمة المنتدى الاقتصادي العالمي لأفضل 10 مهارات للعام 2023، فيما جاء «التفكير التحليلي والإبداعي»، في مقدمة تلك المهارات، تليها المرونة والتحفيز والوعي الذاتي، والفضول والتعلم مدى الحياة.

وتعد المهارات التقنية، أيضاً من بين أفضل 10 مهارات، لكن أصحاب العمل يواجهون صعوبات في توظيف العمال المناسبين.

تعد الوتيرة السريعة في تطور قدرات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية، عاملاً كبيراً في هذا المجال، لكن التحول الأخضر هو سبب آخر، فالنمو في هذه الوظائف يفوق إجمالي معدل التوظيف.

  • تؤثر هذه الاتجاهات على توقعات أصحاب العمل، التي تشير إلى أن 44%، من مهارات العمال سوف تتطور خلال السنوات الخمس المقبلة، وأن 6 من كل 10 موظفين، سيحتاجون إلى التدريب قبل العام 2027، وذلك بحسب تقرير مستقبل الوظائف 2023، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.

ولكن، ولحسن الحظ، فإن الحاجة والرغبة في تحسين المهارات، وإعادة تطويرها يعد أمراً يشترك فيه الموظفون، وخاصة الأجيال الشابة التي ينتظرها سوق العمل، وقد أعرب نحو ثلاثة أرباع العاملين من جيل الألفية، والجيل ما بعد الألفية، أنهم سيتركون موقعهم الوظيفي الحالي، حيث لم تتوفر لهم فرصة تعلم مهارات جديدة.

وفي هذا السياق، تسعى الشركات في جميع أنحاء العالم إلى الانصات جيداً، والاستجابة لتلك العوامل التي تفرض عليهم، ما أعتقد شخصياً، أنها ستكون «عشرية التطوير»، بالنسبة للشركات والموظفين على حدٍ سواء.

وتعد الكوادر المدربة والمؤهلة هي العنصر الأساسي، لإطلاق العنان لقدرات الابتكار وتعزيز نمو الأعمال.

وينطبق هذا بشكل خاص على قطاعات الخدمات والتجزئة، حيث يعد العميل محور نشاط وأهداف الشركات. ومن خلال استحداث الوظائف الجيدة، والاستثمار في الموظفين، ستتمكن الشركات من تلبية تطلعات العملاء، الذين يشكلون أبرز العناصر الأساسية لنجاحها.

قدم تقرير لمنصة «لينكدإن»، تصنيفاً سنوياً لأفضل الشركات بالولايات المتحدة، في تنمية الحياة المهنية للموظفين، حيث هيمنت البنوك وشركات الرعاية الصحية والتقنيات، على المراكز العشرة الأولى للعام 2023، ومن بينها شركة «أبل»، و«ألفابت»، و«جوجل»، فيما جاءت شركة «أمازون»، في المقدمة.

وفي الوقت نفسه، تعد شركات «كوستكو»، وشركة «بروغريسيف إنشورانس»، للتأمين، وفنادق ومنتجعات «فور سيزونز»، مجرد أمثلة قليلة عن الشركات التي تستخدم نظام «الوظائف الجيدة»، الذي طورته الخبيرة الاقتصادية زينب تون، التي ترى أن الموظفين هم المحركون للنمو والربحية، وتدعوا إلى منحهم أجوراً ومزايا قوية.

ونحن في ماجد الفطيم أيضاً نمر اليوم بمرحلة «إعادة التأسيس»، التي تعيد النظر في وضعية كوادرنا والدفع بهم نحو بؤرة التركيز، فيما نعمل على تحويل أعمالنا، حددنا خمسة عوامل رئيسية للمساعدة في تعزيز هذا الجو، وجعل أصحاب العمل والموظفين أكثر استعداداً وجاهزية للمستقبل:

  1. الاستفادة من القيادة المنهجية لدفع الطموح، عندما تتغير الأساليب التي نتبعها لتنفيذ الأعمال، فإن الأنظمة تحتاج إلى التغيير أيضاً.
  2. إنشاء مجتمعات هادفة، وتفعيل دور الأطراف المعنية لتحقيق التغيير الإيجابي، أحد الأمثلة على كيفية قيامنا بذلك، هو العمل مع موظفينا وعملائنا، لإنشاء الاقتصاد الدائري، حيث تصبح النفايات شيئاً من الماضي.
  3. الاعتماد على جهود البحث حتى نتمكن من توقّع التوجهات، وقياس التقدم، وإيجاد مسارات قابلة للتنفيذ.
  4. الارتقاء بمستوى الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لوضع سياسات واستراتيجيات من خلال نهج يضم مختلف الأطراف المعنية، فالتعاون بين القطاعين العام والخاص، يوجد قيماً اجتماعية، ويحقق مكاسب على مستوى الكفاءات من خلال تبادل الخبرات، وتمكين الكوادر، وفتح مصادر جديدة للوصول إلى رأس المال.
  5. إطلاق مبادرات قابلة للتطوير، وموجهة نحو الهدف، وتحقيق تأثير ملموس، اعتماد نهج «المنصة الرقمية»، الذي يسهل توسيع نطاق القدرات ومشاركتها.

يتوقع أصحاب العمل حدوث تطورات على مستوى الهياكل في سوق العمل بنسبة 23%، من الوظائف خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك بحسب تقرير مستقبل الوظائف 2023، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، فعلى سبيل المثال، أعرب أكثر من نصف الموظفين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، عن أن التطوير الوظيفي وإمكانية تحقيق تقدم مهني، هو الدافع الرئيسي وراء تمسكهم بوظائفهم الحالية.

وبناء على ما سبق، أرى أن الشركات والمؤسسات لن يكون بمقدورها تحقيق الازدهار، واكتساب زمام المبادرة للتأثير في المستقبل، إلا إذا أطلقت العنان لكامل إمكانات أصولها الأكثر قيمة، وهم كوادرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ycb9wepa

عن الكاتب

رئيسة الموارد البشرية، ماجد الفطيم القابضة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"