الاستدامة.. من الرفاهية إلى الضرورة

21:21 مساء
قراءة دقيقتين

د. رامي كمال النسور*

في السنوات الأخيرة، تحول مفهوم الاستدامة من اعتباره ترفاً إلى الاعتراف به كضرورة مطلقة. بمجرد نقلها إلى عالم المتحمسين المهتمين بالبيئة، أو مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات، أصبحت الاستدامة الآن مبدأ أساسياً يقود جداول الأعمال العالمية في جميع القطاعات. وهذا التحول ليس مجرد اتجاه، بل هو استجابة للتحديات، البيئية والاجتماعية والاقتصادية الملحّة، التي تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة.

إن الحاجة الملحّة إلى معالجة تغيّر المناخ، وفقدان التنوّع البيولوجي، واستنزاف الموارد، لم تكن أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. إن الظواهر الجوية المتطرفة، وارتفاع منسوب مياه البحر، وتضاؤل الموارد الطبيعية، هي تذكير صارخ بعواقب الممارسات غير المستدامة. وإدراكاً للطبيعة المحدودة لموارد كوكبنا، تتبنى المجتمعات بشكل متزايد بدائل مستدامة للتخفيف من التدهور البيئي، وحماية مستقبل كوكبنا.

وترتبط الاستدامة ارتباطا جوهريا بالمساواة الاجتماعية والعدالة. إن السعي لتحقيق الاستدامة يستلزم ضمان حصول الأجيال الحالية والمستقبلية على الموارد والفرص اللازمة للرفاهية والازدهار. ومن ضمان ممارسات العمل العادلة في سلاسل التوريد إلى تعزيز الوصول إلى المياه النظيفة والرعاية الصحية، تسعى التنمية المستدامة إلى معالجة عدم المساواة المنهجية والارتقاء بالمجتمعات المهمشة.

وعلى النقيض من الاعتقاد الخاطئ بأن الاستدامة تأتي بثمن باهظ، فإن تبنّي الممارسات المستدامة أثبت أنه مُجدٍ اقتصادياً على المدى الطويل. وتدرك الشركات فوائد الحد من النفايات، وتحسين استخدام الطاقة، والاستثمار في الموارد المتجددة، ليس لتخفيف المخاطر المرتبطة بتغير المناخ فقط، ولكن أيضاً لتعزيز الكفاءة والقدرة التنافسية. إضافة إلى ذلك، فإن الاستثمارات المستدامة مطلوبة بشكل متزايد من قبل المستثمرين الذين يدركون إمكانات النمو والمرونة على المدى الطويل.

وتلعب الحكومات دوراً حاسماً في دفع التحول نحو الاستدامة من خلال أطر السياسات واللوائح التنظيمية. ومن آليات تسعير الكربون إلى حوافز الطاقة المتجددة، تُعد التدخلات السياسية مفيدة في تشكيل ديناميكيات السوق وتحفيز الممارسات المستدامة. علاوة على ذلك، تؤكد الاتفاقيات الدولية مثل اتفاق باريس، الالتزام الجماعي بالتصدي لتغيّر المناخ والانتقال نحو مستقبل مستدام.

كما تلعب مواقف المستهلكين وسلوكاتهم دوراً محورياً في تشكيل الطلب على المنتجات والخدمات المستدامة. ويعمل جيل الألفية وجيل ما بعد الألفية، على وجه الخصوص، على دفع الطلب على السلع ذات المصادر الأخلاقية، والتعبئة الصديقة للبيئة، وسلاسل التوريد الشفافة. ومع ازدياد وعي المستهلكين بتأثير قرارات الشراء الخاصة بهم، تضطر الشركات إلى اعتماد ممارسات مستدامة لتظل ذات صلة وقادرة على المنافسة في السوق.

*مستشار الأسواق المالية والاستدامة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/bxcm48e8

عن الكاتب

مستشار الأسواق المالية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"