لك أخ طبيب في البرتغال..

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

ابتكر الطبيب البرتغالي جو إرميس (56 عاماً) طريقة لتدريس الطب من خلال الشعر، وهو في الأصل شاعر حاصل على جائزة رفيعة تحمل اسم الكاتب البرتغالي فرناندو بيسوا، الذي كان يكتب تحت أكثر من خمسين اسماً مستعاراً، وكلّها، تبدو أنها كانت شكلاً من أشكال الطب لنفسه، وللوجود وللحياة.

د. إرميس أخي على نحو ما!!! محاضر في جامعة بوردو، ولم تُسْتقبل طريقته في تدريس الطب بالشعر ببرود من جانب طلبته الذين راحوا يبحثون عن العلاقة الممكنة بين التشريح، مثلاً، والصورة الشعرية الغنائية، الأول يحتاج إلى مشارط وملاقط وقوّة قلب، أما الشعر، فالأرجح أن من يكتبونه ليسوا غلاظ القلوب ولا غلاظ الأكباد،..وأدواتهم بسيطة: لغة، وصورة، وموسيقى.. غير أن القاسم المشترك هو العلم:..في العلم شعر، وفي الشعر علوم، و«العلْوم» بلغة أهل البادية: هي: «الأخبار».

بإمكانك أن تكتب الكثير من التداعيات حول خبر الطبيب البرتغالي الشاعر.. مثلاً، لو أن بعض جنرالات الحرب في أوقات فراغهم يقرأون شيئاً من الشعر.

لو أن نيرون الذي حرق روما وهو يعزف على كمنجة بائسة قد قرأ شعراً لأوُڤيد، وعرف شيئاً من فن الهوى، ولو أن جورج بوش قرأ بعض القصائد لإزرا باوند أو والت ويتمان، ولو أن جنرالات الاستعمار الفرنسي للجزائر قرأوا بعض نيران رامبو وبودلير، والقائمة طويلة.

ليس الشعر وحده هو ذلك (الطبيب) الذي اكتشفه (جو إرميس)، بل الفن كلّه، ومنذ فجر التاريخ هو طبيب العالم الذي ليس له عيادة، ولا تذهب إليه في مشفى.

المسرح طبيب، واللوحة التشكيلية طبيبة رائعة القلب وعلى وجهها دائماً ابتسامة الموناليزا، والموسيقى امرأة هادئة ترتدي دائماً الأبيض.. لون ثياب الملائكة.

ينطوي الشعر على قدرة أعجوبية على المداواة، والعزاء، والرفق، وحتى المجرم إذا أخذته على طرف في غرفة التحقيق وأظهرت إليه شعريتك النبيلة.. فقد يبكي.. «جان فان جان» في رواية (البؤساء) ليس لصّاً، ورأى ضعفه البشري جميلاً أجمل من أحدب نوتردام حين تسلل إلى قلبه ذلك الشعر الموارب المتسرّب من الحب.

بكى عمر بن الخطاب وهو يصغي لأخته وهي تقرأ من القرآن، وفي حين هو ذاهب لمعاقبتها عالجه القرآن بقوّة البلاغة، وبكى، وأصبح ذلك الرجل الحجري الصلب في مثل هشاشة الماءْ.

«..قَتَلَتْكَ يا مَوْتُ الفنونُ جميعُها..» يقول محمود درويش، والفن أيضاً شعراً كان أم أدباً نقيّاً.. ينقّي قلب من يقرأه من الضغينة والوضاعة والجهل البشري والثقافي والرّوحي.

قائد واحد قارئ ومثقف وحكيم أفضل من مئة طاغية جهلاء الواحد منهم لم يفتح قلبه أو عينيه لقصيدة واحدة صغيرة من كل هذا التراث الأدبي الهائل من الصين إلى نيويورك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yu844rb6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"