عادي

«الكراسي».. عرض يبحث عن المعنى

23:41 مساء
قراءة 3 دقائق
جانب من عرض «الكراسي»
(تصوير: محمد الطاهر)

الشارقة: «الخليج»

تواصلت مساء، الأحد، فعاليات الدورة ال 33 من مهرجان «أيام الشارقة المسرحية» بعرضين، الأول، استضافته خشبة معهد الشارقة للفنون المسرحية، وجاء بعنوان «الكراسي»، من أعمال مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة، تأليف يوجين يونسكو، إخراج حميد محمد، فيما شهد قصر الثقافة عرض «إسكان»، لفرقة مسرح رأس الخيمة الوطني، تأليف عبد الله صالح، وإخراج عبد الله الدرزي.

العرض الأول «الكراسي»، خارج المسابقة، وهو العمل الفائز بجائزة أفضل عروض مهرجان «كلباء للمسرحيات القصيرة»، وجسّد شخوصه كل من راشد المعيني، وميرة المهيري، وأحمد محمد بابكر، وعدد من النجوم الشابة الصاعدة، وهو من الأعمال التي وجدت استحساناً كبيراً من قبل الجمهور والنقاد نسبة للرؤى الإخراجية الجيدة التي قدمها حميد محمد، والأداء المميز.

قصة الكراسي تظهر فيها عجوزان «زوج وزوجته» يعيشان في منطقة نائية ومعزولة، لا أنيس فيها سوى ثرثرتهما غير المفهومة، ويستعدان لاستقبال ضيوف متخيلين لا يمكن رؤيتهم؛ حيث يريد الزوج أن يلقي عليهم رسالة له يعتقد أنها شديدة الأهمية، ويعمل على إيصالها للجميع قبل أن يموت، وتظل الكراسي فارغة في انتظار الضيوف المتخيلين الذين لن يأتوا أبدا، ولا يلقي الزوج رسالته.

المسرحية تشير إلى البحث عن المعنى في عالم بلا معنى؛ حيث إن يوجين يونسكو لا يؤمن بالواقع كحقيقة بل كصدى لخيالات البشر، فالعمل ينتمي إلى تيار العبث، حيث انتظار ما لا يأتي، واللغة المتشظية، والحوار غير المنطقي الذي لا يصنع التواصل والسخرية الداكنة اللاذعة؛ إذ إن حديث كل شخصية في العرض هو نتاج ما يعتمل في الذات، هو تداعٍ غير مرتب لا يهدف إلى صناعة لقاء مع الشخص الآخر، فالارتباك والتشتت الذهني هو سيد الموقف.

وتتجلى العبثية أكثر في العرض في انتظار العجوزين للضيوف، وهم من علية القوم وخلاصة المجتمع البرجوازي. ويحمل العمل رؤية حول الوجود والتأمل فيه، وهو الأمر الذي يتسرّب إلى المتلقي الذي يجد نفسه هو الآخر يتعمق في فكرة تأمل الحياة في عالم العزلة والفردانية؛ لذلك دائماً ما كان مسرح العبث معبراً عن قضايا اليوم، حيث يعيش البشر في حالة من التيه والتشظي الوجداني والفشل في التواصل فيما بينهم، مع العلم أن يونسكو كان قد كتب نص «الكراسي» في عام 1952، وهو يعدّ واحداً من أهم الكتابات المسرحية التي تنتمي لمسرح اللامعقول.

مخرج العمل استطاع أن يقدّم أطروحات ومقاربات جيدة مع الحفاظ على روح نص يونسكو، ولعبت الإضاءة دوراً جيداً في نجاح العرض، إضافة إلى «البروجكتر» في الخلفية، وتوظيف الديكور البسيط الذي ينسجم مع فكرة العبث، غير أن الأداء التمثيلي كان هو كلمة سر النجاح الأولى في العمل الممتع.

*هجائية

العرض الثاني «إسكان»، وهو ضمن المسابقة، يقدّم هجائية لاذعة وساخرة لعالم متغير ومتقلب وتسود فيه قيم الشر والطمع، حيث يصبح البشر في عصر الاستهلاك هذا عبارة عن «أرقام»، لا تؤمن إلا بلغة الحسابات ومعادلات الربح والخسارة؛ إذ إن الجميع في حالة سباق محموم لتحقيق الطموحات والكسب على حساب الهوية والمبادئ الإنسانية وقيم الخير والحب والجمال، وأمام هذا الواقع يتحول العالم إلى غابة يأكل فيها الضعيف القوي، وتظهر طبقة تمارس فعل طحن واستعباد الآخرين.

ينفتح العرض على امرأة عجوز منحنية تحمل على ظهرها أثقالاً، وتخرج صوتاً متعباً تنادي عبره أولادها الضائعين الذين تظل تبحث عنهم طوال الوقت، فيما يزعج صوتها متشرداً كان ينام على خرابة أسفل بناية تحت التشييد، ليستيقظ فجأة على نداء تلك العجوز ليسألها عمّا تفعل، ومن هم هؤلاء الأبناء الضائعون؟ وأين ذهبوا؟ وإلى أين ستتجه العجوز؟ وهي الأسئلة التي لا تلقي لها المرأة اعتباراً، بل تمضي في سبيلها في مهمتها الشاقة تلك.

العرض حافل بالمشاهد المأساوية شديدة القتامة، ويقدّم نماذج لأثرياء كوّنوا ثرواتهم عبر المخادعة والأطماع واستغلال الناس من البسطاء والعمال الذين يجرون على أرزاقهم اليومية، ويعرض كذلك عبر حوارات محتدمة حول حلم بعض الناس في أن يلتحقوا بركب الأغنياء الجدد، والذين يبيعون كل شيء في سبيل تحقيق طموحاتهم، ليظلوا مغتربين عن جوهرهم الإنساني، وتغيب قيم الخير فيهم.

ولعل الأداء التمثيلي كان بمثابة رافعة نهض بها العرض؛ حيث جاء مميزاً على مستوى الحوارات والانتقالات والتسليم والتسلم، خاصة أن العمل اعتمد على كثير من السرد والحواريات، غير أن هنالك بعض الجوانب شابها القصور خاصة الإضاءة؛ حيث ساد التعتيم في كثير من الأوقات، وكذلك ضعف صوت الممثلين، وهو الأمر الذي غيّب على الحضور الكثير من أحداث العرض، إضافة إلى أن العمل كان بحاجة إلى صناعة المزيد من الدلالات وتعميقها من أجل التعبير عن عوالم العرض.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5ae6cy5f

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"