رسم بالكلمات..

01:03 صباحا
قراءة دقيقتين

كتب العديد من الشعراء قصائد في رسّامين أو نحّاتين كانوا أصدقاء لهم، أو أنهم في الكتابة عن هؤلاء الفنانين إنما يتماهَوْن تماماً مع فن الرسم أو التصوير، كما لو أن الشاعر ينقصه دائماً شيء ما، هذا «الشيء» موجود عند الرسام أو أنه موجود، تحديداً، في قلب الرسام.

حين تعود إلى قراءة الترجمة الأدبية الإبداعية التي وضعها بصبر وتعب مرهقين الشاعر المصري رفعت سلاّم لشعر (شارل بودلير) = الهيئة المصرية العامّة للكتاب 2016، تضع يدك ببساطة على تلك العلاقة الخفية بين روح الشاعر وروح الرسام في قراءتك لقصيدة بعنوان (الفنارات) لبودلير يتحدث فيها، بل يُنَخلْ في قصيدته تلك ما يمكن أن يُسَمّى الذرّات الوجدانية والوجودية لثمانية من الفنانين ذوي البصمات التاريخية الماثلة في الفن منذ سنوات طويلة وإلى اليوم.

يصف بودلير الفنان الفلمنكي روبنز (1577-1640) بأنه نهر نسيان وحديقة للكسل، ويقول عنه أيضاً هو: وسادة لحم طريّ، أما ليوناردو دافنشي فهو: مرآة عميقة معتمة فيها ملائكة ساحرون، ويقول عن رامبرانت إنه:.. مستشفى كئيبة مملوءة بالهمهمات لا يزيّنها سوى صليب كبير.

ويمضي (بودلير) في تصوير رسّامين آخرين على هذا النحو اللغوي المكثف بقوله إن مايكل أنجلو هو مكان ضبابي نرى فيه شخوص هرقل تمتزج بشخوص المسيح.. أما بوجيه وهو نحّات فرنسي (1620-1694) فهو الإمبراطور الكئيب للمحكومين بالأشغال الشاقّة، ويصف الرسام الفرنسي واتو (1684 -1721) بالمهرجان الذي تهيم فيه متوهجة قلوب مبرقشة كالفراشات..أما غويا الرسّام الإسباني (1746-1828) فهو كابوس مملوء بالأشياء المجهولة بأجنّة تُطهى في ما سمّاه: محافل السحرة.. لا يتوقف بودلير عن تفكيك أو تشريح أصحابه هؤلاء الذين لم ينج أحد منهم من هذياناته الشريرة تلك، فيقول إن ديلاكروا الرسام الفرنسي (1798-1863) هو بحيرة دماء تغشاها ملائكة شريرة تظلّلها غابة صنوبر دائمة الاخضرار، وكان بودلير شديد الإعجاب بأعمال ديلاكروا كما هو معروف في سيرته أو حياته القصيرة.. في العام 1981 صدرت في بيروت مجموعة شعرية صغيرة للإسباني رفائيل البيرتي يتحدث فيها عن فان كوخ ويقول إنه: جنون نووي بالأصفر، وهو شمس صفراء ملطخة بالدم، ويقول البيرتي إن غوغان لون مسافر صار عطراً لزهرة.. أمّا ديلاكروا الذي كان يحب أعماله بودلير فهو في نظر البيرتي:.. أبراج من الدم وسَمَوات متشنجة فسيحة، وآفاق ملتهبة في مدن الأموات.. قصائد اختزالية، برقية، بعيون شعرية حادّة تحوّل الرسام إلى كتلة نحاسية أو كريستالية قوامها اللغة.. لغة بودلير، ولغة البيرتي مع الفارق التشكيلي بين الشاعرين:.. بودلير أمضى حياته القصيرة وهو يسقي أزهار الشر بزخّات من الدم.. في حين كان البيرتي يمضي طيلة وقته بربطة عنق حمراء..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ye6ppu64

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"