تلك الأربعينات الشعرية

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

قرأت قبل أيام في الشرق الأوسط مادة جاءت تحت عنوان «ماذا بقي من دولة فلسطين الشعرية؟» بقلم أحمد الزبيدي تحمل من الأسى أكثر مما تحمل من التاريخ الشعري الفلسطيني، وفي العادة ينطوي سؤال من مثل هذا السؤال أو التساؤل الذي بدأ به الزبيدي مقاله على صورة درويش بشكل خاص بعد غيابه.. ماذا بقي منه؟.. ثم ماذا بقي من رفاقه؟؟، غير أن هذه المادة الجميلة للزبيدي تأخذ القارئ المتابع للشعر الفلسطيني إلى ملاحظة مهمّة جديرة بالوقوف عندها ولو من باب المقارنة أو حتى من باب الأسى مرة ثانية..

ولد سبعة من شعراء فلسطين وهم على درجة عالية من الأهمية،.. ولدوا، في الأربعينات من القرن العشرين، تحديداً، قبيل نكبة ١٩٤٨ بأعوام قليلة.. وُلِدَ محمود درويش في العام ١٩٤١، وولد مريد البرغوثي في العام ١٩٤٤، علي فودة ١٩٤٦، عز الدين المناصرة ١٩٤٦، محمد القيسي ١٩٤٤، عبداللطيف عقل ١٩٤٢، أحمد دحبور ١٩٤٦، في حين ولد شعراء آخرون قبل الأربعينات بعام أو عامين.. سميح القاسم ولد في العام ١٩٣٩، ووُلِد فواز عيد في العام ١٩٣٨.

في عقد زمني أربعيني واحد وُلِد كل هؤلاء الشعراء الفلسطينيين، كما لو أنهم وُلِدوا من أم واحدة وأب واحد، أُمّهم بلادهم، وبلادهم أبوهم، وجمعيهم غابوا عن هذه الفانية، ورحلوا في سنوات متفاوتة، ولم يبق وراء هذا العقد من الشعراء الرّاحلين سوى أشعارهم وذاكراتهم الأدبية، والوجدانية، والجمالية.

مات بعض هؤلاء الشعراء بالمرض، والبعض مات موت الفجاءة كما يقولون، والبعض مات بالحزن، والبعض مات بالحسرة.. ومفتاح بيته لم يصدأ في جيبه..

في العام الماضي ٢٠٢٣ التحق بهؤلاء الغائبين زكريا محمد الذي وُلِد في العام ١٩٥٠ أي في الرمق بعد الأخير من الأربعينات..

البعض من هؤلاء الشعراء بحساب الزمن الثقافي والشخصي لم يعمّر طويلاً، وما من أحد منهم عمّر كما عمّر اللبناني سعيد عقل مثلاً، أو العراقي الجواهري.

في ضوء هذه السردية الذاتية، بإمكانك، إذاً أن تقلب السؤال:.. «.. ماذا بقي من دولة فلسطين الشعرية؟» على منحى آخر هو منحى الزمن فقط، لتعرف، عملياً، أن هذه الدولة التي سمّاها أخي أحمد الزبيدي (دولة فلسطين الشعرية) لم يبق منها، ولم يبق فيها إلّا القليل من الشعراء أمَدَّ الله في أعمارهم وهم مواليد الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات، وفي تسعينات القرن العشرين ظهر شعراء فلسطينيون شباب، لكن يبدو، أحياناً، لمن يؤمنون بنظرية ميزان القوى حتى في الشعر، إن كفة ميزان أولئك الأربعينيين أثقل من كفة ميزان الكتلة الشعرية التالية لذلك العقد الأربعيني العجيب، ثم، لا تنس أن درويش يجلس في تلك الكفة الوزنية الأربعينية..

مجرّد استنتاجات لا أكثر، قد تكون خاطئة ولكن بمعجزة شعرية مفاجئة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/35r9scfh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"