عادي

ماذا يقرأ الإماراتيون؟

22:54 مساء
قراءة 3 دقائق
يوسف الحسن

د. يوسف الحسن
بعد ثماني سنوات، منذ عام القراءة في العام 2016، ومبادرة تعيين شهر مارس في كل عام، شهراً للقراءة، ولكي تصبح طقساً دائماً من طقوس الحياة، نتساءل عمّا إذا كانت لدينا في الإمارات دراسة علمية، أو ميدانية حول معدلات القراءة في المجتمع، وعلاقة المواطن بالقراءة، وماذا يقرأ، وما هي تأثيرات هذه المبادرة المميّزة على معارف ومهارات الإنسان في المجتمع الإماراتي، ونتاجه الفكري والحراك الثقافي، وعلى قيم الحوار والنقاش العام، ورؤيته لذاته وللآخر.

تساؤلات أخرى، تحتاج إلى بحث واستقصاء موضوعي، حول تأثيرات الإنترنت والتواصل الاجتماعي على قراءة الكتب، وعلى مهارات التركيز والتأمل العميق التي تتيحها قراءة الكِتاب، مقارنة بالساعات الطويلة التي يقضيها الإنسان أمام وميض الشاشات وصورها البرَّاقة في التهام، وعلى عجالة، أكبر قدر من المعلومات والمعارف المجزأة، والتي تفقده القدرة على هضم هذه المعلومات، وعلى التفكير النقدي، فضلاً عن عدم القدرة على اكتساب مهارات ربط المعلومات ومقارنتها مع بعضها بعضاً، وعدم مكوث المعرفة في الذاكرة الطويلة الأمد.

ليست القراءة ترفاً فكرياً، بل حاجة أساسية وضرورة ثقافية ملحّة، ولها أهمية كبرى في حياة الإنسان والمجتمعات الإنسانية، كغذاء وعلاج في آن، وطريق موصل إلى المعرفة والعلم، وذاكرة حضارية ضد النسيان.

والدولة الوطنية، بقدر ما هي مسؤولة عن توفير الأمن والأمان والازدهار والماء والكهرباء والرعاية الصحية والأمن الغذائي.. إلخ، بقدر ما هي مسؤولة أيضاً عن الأمن الثقافي، و«التغذية المستدامة» المعرفية والفكرية، وغرس قيم القراءة وثقافتها وترجمتها سلوكاً في المجتمع، بدلاً من ثقافة المشافهة.

تغتني منازلنا العصرية أو التراثية، بأحدث الأجهزة والأثاث الأنيق، لكن معظمها يخلو من المكتبات، وإذا وُجدت المكتبة المنزلية، فهي جزء من «الديكور» وكذلك الحال في أماكن العمل، وبعض المؤسسات حيث يقوم مهندسو الديكورات الداخلية بلصق أوراق، أو لوحات مصوّرة على الجدران، تبدو وكأنها رفوف مملوءة بالكتب، من أجل تقديم الانطباع الثقافي.

حرَّكت المعارض الدولية للكتاب في مدننا الكثير من رياح القراءة، وفتحت أمامنا أبواباً على ثقافات أخرى، وحرّضتنا على اقتناء الكتب، والمشاركة في أنشطة ومناقشات، وإثارة أسئلة مسكوت عنها، ووفرت فرصاً لرؤية أدباء وعلماء وكتّاب، تشتهي لقياهم بعد قراءة مؤلفاتهم، وتبحث في عيونهم وكلماتهم عن معنى الكتابة، وأهمية القراءة.

تفرح حينما تسمع أن هناك عدداً غير قليل من منتديات القراءة، أسّستها نساء مُلهمات، وعاشقات للكِتاب والكلمة، يستوطن في دواخلهنّ حب القراءة والمعرفة والشغف بإثارة أنساق المعرفة وأسئلة الفلسفة: ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ ومن؟.. إلخ، ويشغلن العقل بالقراءة والتأمل والتفكّر، ومواصلة رحلة اليقين والبحث في ما يملأ كيان الإنسان بالحقيقة والطمأنينة والوعي.

أسأل دوماً عن نوع الكتب الجيدة التي نقرأها، وليس عن مقدار ما نقرأ، الكتب التي حملت أفكاراً كبرى، وفتحت أمامنا عوالم المعرفة والمتعة الذهنية ومكّنتنا من القدرة على التفكير النقدي والعقلي، وامتلاك الشعور بفهم الذات وهويتها الوطنية والإنسانية، ومحاولة إدراك أسرار الخلق، والكون، والنفس البشرية، وصولاً إلى السكينة الداخلية.

يتساءل معي كثيرون عن البرامج المدرسية في الإمارات، ومدى تشجيعها على تنمية ثقافة القراءة، كفعلٍ ذاتي وتثقيفي، وكيف نربّي الأجيال على ممارسة تبادل إهداء الكتب في المناسبات الاجتماعية، تحفيزاً على اقتنائها وقراءتها.

كما نتساءل عن النماذج التي تروّج لها وسائل الإعلام التقليدي والجديد، وهل هي مجرد نماذج وأعمال للتسلية، أم توعوية وتثقيفية ومعرفية، باعتبار أن ثقافة القراءة هي الخطوة الأولى في بناء مجتمع المعرفة وتشكيل متعة التأمّل والتفكير والتساؤل والحوار.

نستحضر اليوم توجّهات القيادة الرشيدة في عام القراءة وسعيها الدؤوب لتنشئة جيل قارئ، ومحصّن فكرياً ومعرفياً وثقافياً، وبهوية وطنية، تتعزز فيها لغتها وعقيدتها وقيمها الإنسانية الرفيعة.

ماذا نقرأ لبناء مهارات جيل من المفكرين والعلماء والباحثين والمبدعين والمدركين للذات وللآخرين؟

نعم.. مفتاح العلم هو القراءة، وأول رسالة من السماء إلى الأرض كانت «اقرأ باسم ربك الذي خلق».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3292vw35

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"