عندما تفوز المرأة

22:33 مساء
قراءة 4 دقائق

إندرميت جيل *

عام 1988، أصبحت أليخاندرا أريفالو أول جيولوجية تدخل منجماً تحت الأرض في تشيلي. ورغم خرقها القانون، فإنها تحدت بهذا الفعل الخرافة الشائعة التي مفادها بأن المرأة تجلب الحظ السيئ عندما تغامر بالدخول إلى منجم.

في ذلك الوقت، كان يُمنع على المرأة التشيلية العمل في التعدين تحت الأرض أو في أي عمل آخر يفوق قدرتها أو يعرض حالتها البدنية للخطر، لكن تحدي أريفالو ساعد على إشعال ثورة حقيقية. فبحلول عام 1993، تم إلغاء القيود المفروضة على النساء في مجال التعدين؛ وفي 2022، باتت النساء تمثل 15% من القوى العاملة في مجال التعدين في تشيلي، أي بزيادة ثلاثة أضعاف منذ 2007.

على الصعيد العالمي، حدث تقدم كبير بنفس القدر خلال نصف القرن الماضي. فتحسنت الحقوق القانونية للمرأة بنحو الثلثين في المتوسط منذ عام 1970. وقد أدت الإصلاحات الكبرى إلى تفكيك مجموعة واسعة من الحواجز التي تواجهها المرأة في جميع مراحل حياتها المهنية، وبشكل خاص في مكان العمل.

ومع ذلك، وبينما يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة كل عام، من الواضح أن الفجوة العالمية الهائلة بين الجنسين لا تزال موجودة، لا بل أصبحت أوسع بكثير مما كان يُعتقد سابقاً، بحسب ما أظهرته أحدث البيانات.

وعندما نأخذ في الاعتبار الاختلافات القانونية في ما يتعلق بالحماية من العنف والحق في رعاية الأطفال، فإن النساء يتمتعن فقط بثلثي الحقوق التي يتمتع بها الرجال، وليس 77%، كما يظن بعضهم.

ويتعلق القصور الأعظم بالسلامة، فالنساء لا يتمتعن إلا بثلث الحماية اللازمة ضد العنف المنزلي، والتحرش الجنسي، والقتل. ويشكل عدم كفاية الوصول إلى خدمات رعاية الأطفال عائقاً آخر. فهناك 62 اقتصاداً فقط، أي أقل من ثلث دول العالم، وضعت معايير الجودة التي تحكم خدمات رعاية الأطفال. ونتيجة لذلك، قد تضطر النساء في 128 اقتصاداً آخر إلى التفكير مراراً قبل الذهاب إلى العمل ولديهن أطفال بحاجة إلى رعاية.

علاوة على ذلك، فإن الفجوة بين الجنسين أوسع مما قد توحي به القوانين الموجودة في الكتب. ولأول مرة، قارن تقرير حديث للبنك الدولي، يتحدث عن المرأة وأنشطة الأعمال والقانون، التقدم المحرز في الإصلاحات القانونية بالنتائج الفعلية للنساء في 190 اقتصاداً، ووجد تأخيراً مفاجئاً في التنفيذ.

ورغم أن القوانين المكتوبة تشير ضمناً إلى أن المرأة تتمتع بنحو ثلثي حقوق الرجل، فإن البلدان في المتوسط أنشأت أقل من 40% من الأنظمة اللازمة للتنفيذ الكامل.

فعلى سبيل المثال، سنّ 98 اقتصاداً تشريعات تنص على المساواة في الأجر للنساء مقابل العمل ذي القيمة المتساوية؛ في المقابل، تبنى 35 اقتصاداً فقط تدابير شفافية الأجور أو آليات التنفيذ لمعالجة فجوتها. ويمثل ذلك إهداراً كبيراً لرأس المال البشري، ويأتي في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى حشد كل موارده للهروب من خطر الركود الاقتصادي المتزايد. واليوم، وبينما تشارك أقل من واحدة من كل امرأتين في القوى العاملة، فإن ما يقرب من ثلاثة من كل أربعة رجال يفعلون ذلك.

ومن الممكن أن يساعد إغلاق هذه الفجوة على مضاعفة النمو الاقتصادي العالمي في العقد المقبل. والدليل واضح، فالاقتصادات التي تتمتع بدرجات أعلى في تقرير المرأة وأنشطة الأعمال والقانون تميل إلى تسجيل معدلات مشاركة أكبر للنساء في قوة الأعمال وريادتها، إضافة إلى انخراط نسائي أكثر نشاطاً في المؤسسات السياسية. باختصار، المساواة بين الجنسين هي حق أساسي من حقوق الإنسان ومحرك قوي للتنمية الاقتصادية.

ومرة أخرى، لا يكفي مجرد السعي لتحقيق المساواة في القوانين المكتوبة، فما نحتاج إليه هو مجموعات شاملة من السياسات والتدابير الفاعلة، فضلاً عن تحويل الأعراف الثقافية والاجتماعية في العديد من البلدان لتمكين النساء من أن يصبحن عاملات ورائدات أعمال وقائدات ناجحات. وهذا يعني آليات تنفيذ أقوى لمعالجة العنف في مكان العمل، وتوفير إجراءات عملية لخدمات رعاية الأطفال، وتسهيل الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية للنساء العاملات.

وتمكن مثل هذه السياسات النساء من الاستمرار في العمل دون التعرض لانتكاسات مهنية، وتساعد على سد فجوة الأجور بين الجنسين، كما تعيد تشكيل أدوار الجنسين والمواقف المتعلقة بمكان العمل والواجبات المنزلية. لأنه مع تولي المزيد من النساء المزيد من المناصب القيادية، فإنهن يلهمن أجيالاً جديدة من الفتيات لتحقيق إمكاناتهن الكاملة.

صحيح أن النتائج الإيجابية تستغرق وقتاً لتحقيقها، لكنها تحدث. وكما لاحظت كلوديا غولدين، الحائزة على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2023، فإن ارتفاع عدد النساء الأمريكيات ممن يشغلن وظائف رفيعة المستوى في ستينات القرن الماضي لم يحدث من قبيل الصدفة، فقد كان ذلك نتاج تراكم بطيء ولكن ثابت للحقوق القانونية.

وأشارت غولدين إلى أنه حتى لو لم تغير القوانين دخل المرأة، فإنها جعلت حياتها أفضل ووسعت خياراتها، وأصبحت أماكن العمل أكثر أماناً بالنسبة لها.

* كبير الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي والنائب الأول لرئيس البنك لاقتصاديات التنمية «بزنس آند فاينانشال تايمز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3m8b7d8k

عن الكاتب

كبير الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي والنائب الأول لرئيس البنك لاقتصاديات التنمية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"