عادي
الذكاء الاجتماعي

اترك مسافة

22:41 مساء
قراءة 3 دقائق
1
سالم بن ارحمه الشويهي

د. سالم بن ارحمه

قد يُصان الود بالبعد أحياناً؛ فاترك مسافة آمنة بينك وبين من تحب. وهذه المسافة أسميها مسافةَ الاحترام، فالنجاح في العلاقات يكمن في إتقان «فن المسافات» فلابد من ترك مسافة آمنة لعدم الاصطدام كما هو في قانون المرور، فأغلب الحوادث في الطرقات بسبب عدم ترك مسافة أمان بين المركبات وكذلك في العلاقات فعدم ترك مسافة آمنة يسبب المواجهة والصدام، فلا تقترب إلى حدِّ «إبصار العيوب» ولا تبتعد إلى حدِّ «نسيان المحاسن».

وكلما زادت رابطة العلاقة مع أي إنسان وفي أي مجال، نحتاج إلى تعزيز مبدأ التغاضي، كيف يهنأ بعيشه من يقف عند كل كلمة يسمعها، ويحاسب على كل خطأ، وينقب عن كل مستتر، ويتتبع كل عورة، ويرُدُّ على كل كلمة؟ فما أحرى بنا أن نتمثل قول الشاعر:

وَلَكِنَّا نُعَاشِرُ مَنْ لَقِينَا

عَلَى حُكْمِ الْمُرُوءَةِ وَالتَغَابِي

فهذا البيت قاعدة في الحياة لتهنأ بحياتك وتستمتع بعلاقاتك، فمن أسباب استقرار الحياة الاجتماعية والزوجية التغافل والتغاضي والتجاهل عن الزلات والأخطاء بين الزوجين.

قال العلامة ابن القيم، رحمه الله: «من المُروءة التغافل عن عثرات النَّاس وإشعارهم أنَّك لا تعلم لأحد منهم عثرة».

مو شرط تصبح كل الأوقات لمّاح ترى التغافل من فنون الذهانه

لا شيء اسمه الكرامة في الحياة الزوجية، درهم تنازُل خير من قنطار عناد! وإذا شاهدت زوجين يحبان بعضهما في سعادة وسرور ويعيشان متفاهمين فلا تقل كم هما محظوظان! أنت لا تعرف كمية التنازلات التي قدماها لبعضهما بعضاً والعيوب التي تغاضيا عنها من بعضهما وأجبرا نفسيهما أن يتعايشا معها، فليس من صفات البشر الكمال..

ولكن تكتمل السعادة بين الزوجين عندما يتغاضى الطرفان عن العثرات والعيوب والتقصير، فالعقل والحكمة أن تتعامى وتتغافل، فكم من زوجة واجهت زوجها بأخطاء اكتشفتها فيه فخسرته وكانت في غنى عن هذا التتبع والمواجهة بالتغافل والعلاج على مهل والزمن كفيل بالتغيير. ولذا، قال الإمام جعفر الصادق «عظموا أقداركم بالتغافل»، فالإنسان العاقل يتغافل عن أمور كثيرة ولا يسأل عن كلّ شيء ويترك فرصة للآخر بأن يعود من نفسه إلى صوابه، فذلك أبقى لماء وجهه. ولذا، قال النبيّ، صلى الله عليه وسلم:»إنّك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم»، فالإنسان بطبيعته خطّاء، وعدم مجاهرته واستتاره بالخطأ دليل على مجانبته له يوماً من الدهر وهو دليل احترام وتقدير للمستخفى منه كما قال الشاعر الحكيم:

اقبلْ معاذيرَ من يأتيك معتذرًا

إنْ بر عندك فيما قال أو فجَرا

فقد أطاعك من يُرضيك ظاهره

وقد أجَلَّك من يعصيك مستترا

فالحياة تنتظم بالتغاضي، وتنسجم بالتراضي، وتنهدمُ بالتدقيق، وتنتهي بالتحقيق..

بعض الناس يكتشف متأخراً أنَّ كثيراً ما يخسره في حياته يكون بسبب التضييق على الآخرين، وإغلاق منافذ الرجوع ما يجعل الطرف الآخر أمام خيارين أحلاهما مر: إما أن يتهرب منك ويكذب عليك، أو يواجهك ويتحداك وتَخسره، وفي كلتا الحالتين تكونُ خاسراً. والأفضلُ دائماً أن تفتحَ للطرف الآخر طريقاً يخرجُ منه كريماً فيحترمُك، بدل أن تُحرجه فيُعادِيك، فلا يُشترط أن تفوزَ بكل المعاركِ فبعضُ الفوزِ هزيمة. لذلك، اسمح من خلال التغافل للطرفِ الآخر أن يصحح ويتراجَع بِكرامة، فيحترمُك. لن تكون منتصراً لو كشفتَ المرء أمامكَ وأمام نفسه حد التعرية، حيث لن يجد بداً من المواجهة أو الهروب. والتّغافل هو ورقة التوت التي تسترنا وتحمينا...

إن كان التغافل لازماً في الحياة بشكل عام، فهو في التربية لا شك ألزم حينما نتعامل مع المراهقين، حيث الحساسية المفرطة والنفس القلقة المتحيرة، فممارسة التغافل وترك مسافة تُقلّل من انتقاداتنا لأولادنا؛ فإن كثرة تعليقاتنا على تصرفات أولادنا تضعف ثقتهم بأنفسهم، كما تجعلهم يتجنبون مجالستنا والتحدث إلينا.

وستجدون مدى الراحة النفسية التي عمّت المنزل ويتمتع بها الكبار والصغار؛ ما بين والدٍ كظم غيظاً، وتحلى بالحِلم والصبر، وَوَلَدٍ شعر بأمان فاطمأنت نفسه وسكنت بعدما شعر بحُبِّ والده وحكمته وأصبح يمارس حَقَّهُ في الخطأ والتعلم من أخطائه. كم من أزمة ماتت في مهدها بترك مسافة بينك وبين ولدك وزوجتك وصديقك. وكم من علاقات فسدت بسبب خطأ بسيط، وكم من بيت هدم بسبب تتبع الأخطاء والعثرات وهذا ما يعانيه الإنسان اليوم، يسمع ما يكره فيفكر فيه ويستمر في التفكير فيه وينغص عيشته، فالذي يقف عند كل كلمة وكل حركة وعلى كل خطأ أو يحاسب على كل صغيرة وكبيرة هو أكثر الناس شقاء وتعاسة.

وعزيزي القارئ: قبل أن تجادل وتختلف مع زوجتك أو ولدك أو صديقك.. يجب أن تطرح على نفسك السؤال التالي: هل تريد أن تكون محقاً أم سعيداً؟! عندك الإجابة والقرار!.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2vcyd3f6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"