نحو أوروبا أكثر اجتماعية

22:08 مساء
قراءة 3 دقائق

إستير لينش *

أدى الزخم الجديد لأوروبا الاجتماعية في السنوات الخمس الماضية إلى مبادرات سياسية مهمة طال انتظارها، بما في ذلك ما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، والعمل على المنصات، والعناية الواجبة للشركات. ومع ذلك، فإن التقدم في هذا المجال لا يزال هشاً ومجزأ.

والسؤال الرئيسي الآن هو ما إذا كان من الممكن الحفاظ على هذا التحول في النموذج الاجتماعي لمواجهة المخاطر العالية المتمثلة في إعادة فرض تدابير التقشف في سياق «الأزمات المتعددة» المستمرة.

لقد كانت ولاية المفوضية الأوروبية، برئاسة فون دير لاين، مرحلة استثنائية للتكامل الأوروبي، تعززت خلالها الأساسيات الاجتماعية للاتحاد بعدة طرق. وكان التجسيد الأكثر أهمية لهذا التطور بلا شك ممثلاً بالتقدم في تنفيذ الركيزة الأوروبية للحقوق الاجتماعية، والتي تمت الموافقة عليها بالإجماع عام 2017، ومهدت الطريق لكل من المبادرات التشريعية والتنفيذية التي تم اعتمادها لاحقاً، بما فيها التوجيه بشأن شفافية الأجور بين الجنسين والحد الأدنى المناسب لهذه الأجور. كما تم إدخال تحسينات مهمة على الصحة والسلامة المهنية للعمال، فضلاً عن توجيه العناية الواجبة لاستدامة الشركات ومنع نظام العمل القسري.

وأدت هذه التدابير أيضاً إلى إطلاق صندوق التعافي الرائد «نيكست جينريشن يوروب»، لدعم التعافي الاقتصادي في أوروبا من جائحة فيروس كورونا وبناء مستقبل أكثر خضرة ورقمية ومرونة، وأسهمت كذلك في تفعيل آلية «شور» وما تحمله من تأثير في السكان والتوظيف، إضافة إلى التخفيف المؤقت للإطار المالي للاتحاد الأوروبي وقواعد مساعدات الدول. وكل ذلك كان مهماً لإعادة إطلاق عملية التكامل الأوروبي الأكثر اجتماعية.

لكن الأهم هو إعادة موازنة الأولويات، من تعزيز المرونة الاجتماعية والتماسك وضمان التحول الأخضر العادل، إلى معالجة التحديات مثل القدرة على تحمل الدين العام، والتي أثبتت كفاءتها في السنوات الأخيرة.

وعلى النقيض مما حدث في أعقاب الأزمة المالية عام 2008، فإن التحفيز المالي الذي أعقب أزمة «كوفيد-19» لم يوقف تطبيق القواعد المالية مؤقتاً فحسب، بل كان مدعوماً أيضاً بأدوات السياسة النقدية، وتخفيف قواعد مساعدات الدول في الاتحاد الأوروبي، والاقتراض من الكتلة لتمويل استراتيجية التعافي الطموحة لأعضائها. وكثف الاتحاد الأوروبي أيضاً جهوده نحو الحياد المناخي بحلول عام 2050، وتعهد بعدم ترك أحد يتخلف عن الركب. مع ذلك، وبما أن الحرب في أوكرانيا أدت إلى صدمة أسعار الطاقة، وارتفاع معدلات التضخم وأزمة كلفة المعيشة، فقد انعكس التوسع في سياسة الاقتصاد الكلي جزئياً اعتباراً من عام 2022، على الرغم من تدابير دعم الطاقة التي اتخذتها الدول الأعضاء.

وعلى خلفية الهيكليات المتغيرة المستمرة في سوق العمل، مثل التقنيات الجديدة، والتحول الأخضر، وشيخوخة القوى العاملة، وصلت معدلات التوظيف في أوروبا إلى أعلى مستوياتها بعد اتباع نهج فاعل لدعم الوظائف والعمال خلال الجائحة، ما أدى إلى ردم فجوة الاختلافات بين البلدان والمناطق في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي شيئاً فشيئاً.

في الوقت ذاته، لا تزال جودة الوظائف تمثل تحدياً مهماً، مع استمرار خضوع العديد من العمال لترتيبات تعاقدية مثيرة للجدل، وعمل غير مستقر في ظل ظروف سيئة، وأجور منخفضة، وتغطية منخفضة للمفاوضة الجماعية في العديد من البلدان والقطاعات. ومن الأهمية بمكان أن العديد من الوظائف لا تزال تنطوي على مخاطر صحية على العمال، مع تنامي الوعي بأهمية المخاطر النفسية والاجتماعية التي قد تصيبهم كذلك.

لذا، يجب رصد نوعية الوظائف بدقة، واتخاذ الإجراءات اللازمة للتأكد من أن سوق العمل المتغير يوفر فرص عمل لائقة للجميع. ومجرد الاعتماد الأخير لتوجيهات العمل الأساسية، يوضح أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون فعالاً في توفير الحد الأدنى للأجور المرضية، وغيرها من أشكال الحماية الوظيفية للعمال المستضعفين مع القضاء على الممارسات المسيئة.

وإضافة إلى إعادة توجيه الحد الأدنى للأجور وشفافيتها بين الجنسين، تظل المبادرات الإضافية من قبل مؤسسات الاتحاد الأوروبي لتعزيز المفاوضات الجماعية هدفاً رئيسياً للسنوات المقبلة. ومن بين أمور أخرى، سيكون من الضروري مراجعة قواعد المشتريات العامة لضمان ذهاب الأموال العامة إلى المنظمات التي تحترم حقوق العمال والنقابات العمالية التي يغطي عمالها اتفاقيات جماعية. وبالنظر إلى التطورات السلبية في بعض البلدان سيكون من الأهمية بمكان أيضاً الدفاع عن الحقوق النقابية والعمالية وتعزيزها، بما في ذلك الحق العالمي في التنظيم والانتساب للنقابات.

كما أن التقدم الأخير في سياسة الاتحاد الأوروبي أثر في معلومات العمال والتشاور والمشاركة على مستوى الشركة نفسها، وبطرق مختلفة وغامضة. وعليه، لا بد من توسيع وتعزيز حقوق العمال إذا أرادت أوروبا أن تبني اقتصاداً ومجتمعاً مستدامين ومبتكرين وديمقراطيين وسط منافسة عالمية وأزمات متداخلة.

*الأمين العام لاتحاد نقابات العمال الأوروبي «يوروآكتيف»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4jvwdra5

عن الكاتب

الأمين العام لاتحاد نقابات العمال الأوروبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"