حديث المستثمرين.. الولايات المتحدة أم الصين؟

22:28 مساء
قراءة 3 دقائق

نايغل غرين*

يشير التصعيد الأخير في العقوبات التجارية المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين، والذي اتسم بفرض رسوم جمركية كبيرة وجديدة على السيارات الكهربائية الصينية، وتحقيق بكين اللاحق في ما يعرف بمكافحة الإغراق، إلى احتمال تجدد الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. وكما جرت العادة، سيدفع مستهلكو المنتجات المستهدفة الثمن، في حين ستكافأ الشركات الأخرى القادرة على الصمود.

وتعتمد هذه الأخبار على دعوات الإدارة الأمريكية الشهر الماضي لتمديد التعريفات الجمركية على الصلب والألمنيوم الصيني، في الوقت الذي يتنافس الرئيسان، الحالي والسابق، على الفوز بلقب «الأكثر تشدداً مع الصين»، قبيل الانتخابات الأمريكية المزمع إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

ويمكن أن يكون لهذا التطور آثار عميقة على التجارة العالمية والاستقرار الاقتصادي واستراتيجيات الاستثمار. وبينما تنخرط القوى الاقتصادية العظمى في تدابير متبادلة، يواجه المستثمرون العالميون مجموعة متزايدة من التعقيدات لحماية استثماراتهم واغتنام الفرص الناشئة.

يمكن القول إن التوترات التجارية التي تسود العلاقات حالياً بين الولايات المتحدة والصين، والتي شهدت فرض رسوم جمركية على بضائع بقيمة مئات المليارات من الدولارات، تعود للفترة التي تولى فيها ترامب مقاليد الحكم في واشنطن.

ويمكن القول أيضاً، إن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إدارة بايدن لزيادة التعريفات الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية من 27.5% إلى 100%، إلى جانب التعريفات الجمركية على الواردات الصينية الأخرى، هي رد على ما وصفه البيت الأبيض بالممارسات التجارية غير العادلة للصين.

وعلى وجه التحديد، تتهم الولايات المتحدة بكين بإغراق الأسواق العالمية بصادرات منخفضة الأسعار بشكل متعمد ومصطنع، وهو ما يؤدي بدوره إلى تقويض الصناعات الأمريكية.

لذا، يُعد التحرك الانتقامي الذي اتخذته الصين، بإطلاق تحقيق لمكافحة الإغراق في البوليمرات المشتركة من البولي أوكسي ميثيلين، والتي تعتبر مادة أساسية وحيوية في صناعات مختلفة من السيارات إلى الإلكترونيات، مثالاً مباشراً على الطبيعة المتبادلة للنزاعات التجارية.

ويشير الانخراط واسع النطاق لمناطق أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي وتايوان واليابان، في هذا التحقيق، إلى أن الصين تعمل على توسيع إجراءاتها الدفاعية لتتجاوز الولايات المتحدة، ما قد يؤدي إلى بيئة تجارية عالمية أكثر تجزئة وتفتتاً.

في غضون ذلك، عادة ما تؤدي التوترات التجارية المتنامية إلى زيادة تقلبات السوق، فضلاً عن تحولات عكسية في قيم العملات، حيث تعدل البلدان سياساتها النقدية استجابة للتعريفات الجمركية.

وبالتالي، ينبغي للمستثمرين أن يكونوا أكثر استعداداً للتقلبات قصيرة المدى وتفاعل الأسواق مع السياسات التجارية المتطورة، وكذلك النظر في استراتيجيات التحوط للتخفيف من المخاطر.

ومع ارتفاع التعريفات الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية الواردة، من المتوقع أن تواجه الشركات العاملة محلياً في قطاع السيارات كلفاً أعلى واضطرابات في سلسلة التوريد. ونتيجة لهذا؛ فإننا نحث المستثمرين على التدقيق في أسهم شركات صناعة السيارات وتحليل اتجاهاتها بشكل أعمق، وخاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على الواردات أو الصادرات الصينية.

إضافة إلى ذلك، فإن تحقيق مكافحة الإغراق في البوليمرات المشتركة سيؤثر في الشركات المصنعة للتكنولوجيا التي تعتمد على هذه المواد. ولذلك من المرجح أن تواجه الشركات في قطاع التكنولوجيا زيادة في الكلف، ما سيؤثر في هوامش ربحها وأداء أسهمها دون أدنى شك.

وبطبيعة الحال، ستسعى الأعمال المتضررة إلى تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها لتقليل الاعتماد على الواردات الصينية. وهذه هي الشركات التي نتوقع أن تكون في وضع أفضل لتحمل الاضطرابات التجارية.

ومن المرجح أيضاً أن يكون هناك اتجاه يقضي بنقل الإنتاج إلى الخارج أو إعادة نشره في الداخل للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصراعات التجارية الدولية، مع استكشاف المستثمرين للفرص القادمة من المناطق التي قد تستفيد من هذه التحولات، وعلى رأسها منطقة جنوب شرق آسيا والمكسيك. لذلك، ومع إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية، قد تشهد الأسواق الناشئة خارج الصين زيادة في فرص الاستثمار والنمو. ومن المتوقع أن تصبح دول مثل فيتنام والهند وإندونيسيا وجهات استثمارية أكثر جاذبية.

يجب أن ينصب تركيز المستثمر، كما هو الحال دائماً، على الجودة والمرونة. ونحن بدورنا ننصحهم بالاستثمار في الشركات الراسخة ذات الميزانيات العمومية الضخمة ونماذج الأعمال القوية، لأنها عادة ما تكون مجهزة بشكل أفضل للتعامل مع الاضطرابات الاقتصادية المفاجئة أو المتوقعة. ضع في اعتبارك أيضاً القطاعات الأقل تعرضاً لتقلبات التجارة الدولية، مثل الرعاية الصحية والمرافق العامة والسلع الاستهلاكية الأساسية.

وعليه، تمثل احتمالية تجدد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تحديات وفرصاً في آن واحد للمستثمرين العالميين. ورغم احتمال حدوث تقلبات في السوق على المدى القصير، فإن تحديد المواقع الاستراتيجية يمكن أن يساعد على حماية الاستثمارات والاستفادة من سبل النمو الجديدة.

*المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفيرا» للاستشارات المالية والحلول الرقمية «آسيا تايمز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ye5j64xj

عن الكاتب

المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفيرا» للاستشارات المالية والحلول الرقمية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"